حفل سقوط رامسفيلد بالعديد من المفارقات الحزينة. بادئ ذي بدء كان الرجل مرتبطاً بقضية هي دمقرطة العراق التي لم يقدم دليلاً على أنه يؤمن بها، وعلى رغم أنه كان يسره بالتأكيد أن يسحق صدام إلا أنه لم يظهر حماساً كبيراً لإعادة صياغة الشرق الأوسط. لذلك لم يكن مصادفة أن يهمل الرجل ذلك النوع من التخطيط الذي يتم عادة لمرحلة ما بعد الغزو، والذي كان في الحالة العراقية بالذات مطلوباً لتحقيق التغيرات الشاملة التي كان يتخيلها رئيسه جورج دبليو بوش ونائبه هو السابق "بول وولفوفيتز". ومنذ أول يوم دخلت فيه القوات الأميركية العراق ورامسفيلد يخطط لسحبها، وكانت هذه المقاومة من جانبه لبقاء قوات أميركية كبيرة في العراق هي التي حكمت على هذه المهمة منذ البداية بالفشل. والمشكلة بالنسبة لرامسفيلد كانت هي أنه لم يكن عقائدياً بدرجة كافية على عكس الفكرة التي ظلت سائدة عنه حتى الآن من أنه كان عقائدياً أكثر مما يجب. هذه هي المفارقة الأولى، أما الثانية فكانت أن رامسفيلد على رغم أهمية منصبه إلا أنه اتبع نهجاً قام من خلاله برفع يده عن الكثير من الأمور ذات الأهمية البالغة. ففي الوقت الذي كان يمطر فيه مرؤوسيه بالمذكرات المتوالية، ويعبث بجداول نشر القوات في الميدان حتى مستوى السرية إلا أنه رفض أن يتحمل مسؤولية أخطر القرارات التي اُتخذت في العراق ومنها على سبيل المثال ذلك الخاص بحل الجيش العراقي، واسألوا في ذلك رئيس الإدارة المدنية الأميركي في مرحلة ما بعد الغزو "بول بريمر".. ومنها القرار الخاص بعدم إرسال المزيد من الجنود، واسألوا في ذلك أيضاً الجنرالين تومي فرانكس وجون أبي زيد. لقد تحمل رامسفيلد المسؤولية عندما تعلق الأمر بعملية "حرية العراق" التي مضت حسب الخطة، ولكنه رفض تحمل المسؤولية عن أي شيء غيرها حين انحرفت الأمور عن الهدف المحدد لها. كما أن الرجل كان مستعداً بل سعيداً بأن يتقلد أكاليل الغار لقيامه بالقضاء على نظام "طالبان" على الرغم من أنه استخدم لذلك استراتيجية بدائية تقوم على استخدام الكوماندوز المدعومين بالقوة الجوية جاءت من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليس من القيادة المركزية. والمفارقة الثالثة أنه على الرغم من الخبرة العريضة التي كان رامسفيلد يتمتع بها فيما يتعلق بقيادة المؤسسات الكبيرة إلا أنه كان إدارياً سيئاً والدليل على ذلك أنه قام من خلال أسلوبه العدائي الصدامي بتنفير الجنرالات وأعضاء الكونجرس على حد سواء منه على الرغم من أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك. والحقيقة أن رحيل رامسفيلد جاء متأخراً عن الموعد الذي كان يجب أن يتم فيه بسنتين على الأقل. أما المفارقة الأخيرة فهي أن الرجل كان يمكن أن يتم إبعاده قبل ذلك لو لم تقم مجموعة من الجنرالات بالمطالبة برأسه وهو ما دفع رئيسه العنيد جورج بوش إلى الإبقاء عليه على أساس أنه يمثل رمزاً لسيطرة المدنيين. لقد جاء رامسفيلد إلى البنتاجون واضعاً نصب عينيه هدف إجراء عملية تحويل كبيرة في شكل القوات المسلحة الأميركية ومنظومات الأسلحة فيها، وبصرف النظر عن نجاحه في تلك المهمة من عدمه، فإن الأمر المؤكد أنه صرف النظر عن الاهتمام بأمور أخرى ذات أهمية كبيرة، منها زيادة حجم الجيش وسلاح المارينز على الرغم من الأدلة المتزايدة على أن حجميهما كانا صغيرين بدرجة لا تمكنهما من تنفيذ المهام التي ألقيت على عاتقهما، وهو ما وصل بهما في الحالة العراقية إلى نقطة التمزق تقريباً. فضلاً عن ذلك فإن الكثير من معدات الجيش مثل الدبابات والمدرعات وطائرات الهليكوبتر لم تعد بالحالة المطلوبة بعد أن أنهكت في مواجهة التمرد في العراق. وهناك تقديرات تشير إلى أن الجيش الأميركي سيحتاج إلى 17 مليار دولار، وأن سلاح المارينز سيحتاج إلى 12 مليار دولار من أجل إصلاح تلك المعدات واستبدالها. وهذه النفقات الباهظة تعرض الجيل التالي من منظومات الأسلحة التي كان رامسفيلد يطالب بها للخطر، وهو ما سيترك وزير الدفاع الجديد "روبرت غيتس" أمام خيارات غير سارة، وهو يحاول التعامل مع التركة المريرة التي تركها له سلفه في المنصب. ماكس بوت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"