اطلعت على مقالتَيْ الأخ الدكتور خالد الدخيل: الأولى بعنوان "لماذا نشأت الدولة السعودية في العارض؟"، والثانية بعنوان: "تصدع القبيلة وليس الشرك وراء ظهور الوهابية"، المنشورتين في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية. وأعادتني هاتان المقالتان إلى ما كتبه الدكتور خالد منذ فترة في صحيفة "الحياة" مستنداً على ما يبدو في مادة هذه الكتابات على عمله العلمي الأكاديمي في رسالة الدكتوراه. والدارس للتاريخ يحتفي بأية قراءة جديدة لأحداث التاريخ، خاصة إذا استخدمت في ذلك أدوات منهجية جديدة وتخصصات أخرى مساندة لعلم التاريخ مثل الاجتماع والاقتصاد وغيرهما، إلا أن هذا الاحتفاء يتلاشى عندما تكون تلك القراءة مجرد استنتاجات مبنية على رؤى محددة غير متفقة مع الأحداث في المضمون والإطار، أو تستند على الاجتزاء وإثارة الأسئلة الجدلية التي تقود إلى نتائج مستهدفة سلفاً دون اعتبار للأدلة الظاهرة! والخطورة في بعض القراءات الجديدة لبعض أحداث التاريخ من خلال منظور علمي اجتماعي أو اقتصادي، تتمثل في سيطرة التنظير من جهة، والتركيز على أحداث معينة تؤيد ذلك التنظير، وتتجاهل معظم الأحداث الأخرى من أجل إثبات الرؤية المقصودة. وهناك مدارس كثيرة ظهرت لمحاولة قراءة أحداث التاريخ بصورة أخرى مثل مدرسة ما يسمى بالمكان أو المدرسة المادية لتفسير التاريخ ولهذه المدرسة روادها المعروفون، إلا أن ما توصلوا إليه من استنتاجات وما استخدموه من وسائل تمثل في تضخيم المصطلحات وإبرازها من جهة، وإثارة أسئلة جدلية جوابها معد سلفاً من جهة أخرى. كما لوحظ على ذلك النوع من القراءة اعتساف حقائق التاريخ ورفض الأساس الديني ولو كان صحيحاً في تطور بعض أحداث التاريخ. وعند قراءتي لمقالتَيْ الأخ الدكتور خالد الدخيل، احتفيت بهما معتقداً أن هناك شيئاً جديداً سيضاف، إلا أنني وجدت أنهما مجرد تكرار لما سبق أن كتبه حول هذا الموضوع دون تطوير أو مراجعة لتلافي بعض التناقضات والأخطاء التاريخية التي وقع فيها مسار تحليلاته التي طرحها. وقبل أن أدلف إلى نقد هاتين المقالتين لابد أن أشير إلى أنني أحترم ما كتبه الدكتور خالد، وأعده ضمن سياق محاولات قراءة التاريخ، والتي بلاشك لها فائدتها حيث تؤدي إلى مناقشة هذه الموضوعات التاريخية وإبداء الرأي حولها. بدأ الدكتور خالد مقالته الأولى بإثارة سؤال حول نشأة الدولة السعودية في إقليم العارض، وجاءت الإجابة من خلال رؤية اجتماعية حددها بالمكان والقبيلة، واستخدم أحداث الدولة الإسلامية الأولى وحروب الردة التي ظهرت في اليمامة وظهور مسيلمة لإثبات تلك الرؤية. ثم قفز الدكتور إلى الدولة الأخيضرية ثم الدولة السعودية، ليقول للقارئ إن هناك ارتباطاً بين ما حدث في تلك القرون وما حدث في منتصف القرن الثاني عشر الهجري. وهنا يختزل الدكتور خالد ذلك التاريخ الطويل في أحداث محددة تتفق مع سياق الرؤية المقصودة، والتي هي بارزة في السؤال ذاته. فلقد اختار الدكتور قبيلة بني حنيفة محوراً لرؤيته المفسرة لنشأة الدولة السعودية، واستخدم ذلك للإشارة إلى وجود سابقة في قيام دولة عارضت دولة الإسلام مستندة إلى القبيلة والمكان. واختزل الدكتور هنا أحداث الردة ومواقف بني حنيفة في إطار غريب ليدلل على صدق استنتاجه حول أسباب نشأة الدولة السعودية باعتبارها لا تمت للدين بصلة؟! وما أشار إليه الدكتور يتناقض مع ما حدث فعلاً حيث لم يكن جميع بني حنيفة معارضة للإسلام من جهة والذين شاركوا مع جيش المسلمين لمواجهة مسيلمة من بني حنيفة تجاوزوا الثلاثة آلاف مقاتل، وكان من بينهم شهداء كثر، ولم يكن هناك فائض في المنتج الزراعي لدى اليمامة بالصورة التي أشار إليها الدكتور، والمجال هنا ليس متاحاً لشرح مصادر هذا الموضوع وحيثياته التي يعرفها الدكتور خالد ولا تخفى عليه. وإذا نظرنا إلى تاريخ الجزيرة العربية بعد هذه الأحداث، نجد أنها خلت من قيام دول مستقرة ذات نفوذ واسع، عدا ظهور الدولة الأخيضرية في اليمامة ودولة القرامطة في البحرين (الأحساء) اللتين لم يكن لهما ارتباط بما ذكره الدكتور خالد خصوصاً من حيث القبيلة. وعند ظهور الدعوة الإصلاحية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، كان الفارق الزمني كبيراً بين آخر دولة في المنطقة، حيث زاد ذلك على سبعة قرون. والسؤال هنا هو: أين النمطية في قيام الدولة المستقرة خلال هذه الفترة الطويلة جداً في هذه المنطقة، خاصة أن تلك الفترة شهدت ظاهرة تاريخية، تعرف بظهور الدول المستقلة وتحرك القبائل الواسع، وهو ما لا يسع المجال لذكره هنا؟ ذكر الدكتور خالد أن الاستقرار والتحضر هما أساس قيام الدول، وهذا صحيح، ولكن يبدو أنه فات عليه أنهما ليسا كافيين لتحقيق ذلك، وإنما الأمر يرتبط بوجود أشخاص يستندون في حركاتهم إلى مبادئ وقرارات ورؤية واضحة. أما صفة المحافظة التي أطلقها الدكتور على قبيلة بني حنيفة باليمامة وأنها تبنت أيديولوجية محافظة لأنها عاشت في مجتمع زراعي فذلك أمر غريب! فهل يعقل أن نفسر موقف بني حنيفة الرافض لسلطة الدولة الإسلامية عليها بأنه موقف محافظ؟ وخاصة أن تلك القبيلة كما ذكر الدكتور خالد، تسعى لإنشاء دولة ذات نفوذ ولا تقبل بسلطة أخرى عليها؟ لذا يبدو أن المحافظة هنا أقحمت لكي يصل الدكتور خالد إلى تطبيق إثبات رؤيته التي عرضها في بداية الموضوع من حيث الربط بين ما حدث في تلك الفترة المبكرة جداً وما حدث عند إنشاء الدولة السعودية، أي النمطية! ومن التناقضات التي تبرز في رؤية الدكتور حول النمطية في نشأة الدول، هو ظهور الدولة السعودية في الدرعية وعدم ظهورها في أمكنة أخرى رغم أن تلك الأمكنة أكثر استقراراً وازدهاراً. وعندما سأل الدكتور خالد عن سبب عدم اتجاه الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى منطقة أخرى خارج العارض، انساق نحو المسار الصحيح في قراءة أحداث تلك الفترة، لأنه انتقل من نمطية القبيلة والمكان إلى دور الشخصية الذي تجاهله الدكتور في قراءته هذه. فأين ظهور الدولة في الخرج أو القصيم أو حائل أو الأحساء أو نجران أو غيرها من الأماكن الحضرية الأخرى المستقرة في المنطقة؟ فمعظم تلك الأماكن شهدت استقراراً وتحضراً وسكنتها قبائل ذات اعتبار كبير ولم تشهد قيام دول. وربما سيقول الدكتور خالد إن الإرث التاريخي هو الذي حدد قيام الدول، وهنا نقول إن تلك المناطق كان لها أيضاً إرث تاريخي لم يعد ظاهراً في تلك الفترة. بدأ الدكتور خالد في مقالته الثانية، بمدخل مرتبك منهجياً لتهيئة الرؤية التي يرمي إليها، ويحتاج نقد هذا المدخل إلى نقاش كثير نظراً لتناقضه مع مبادئ علم الاجتماع في حد ذاته، لأن الدكتور خالد طرح فكرة أن قيام الدولة شرط لقيام الحضارة، وأن الدولة لا تقوم إلا في إطار اجتماعي به استقرار وتحضر. أيهما أولاً إذن؟ وأترك نقاش هذا الأمر للمتخصصين في علم الاجتماع. وذكر الدكتور خالد أيضاً أنه قدم في مقالته الأولى لمحة عن التاريخ السياسي للجزيرة العربية، والصحيح أن تلك المقالة لم تحتوِ على أي لمحة علمية تذكر وإنما احتوت على مجرد رؤى عامة. ولكي يثبت الدكتور خالد صحة رؤيته أو قراءته لتاريخ الدولة السعودية، ذكر أنه سيتناول الدعوة الإصلاحية والتي سماها بالحركة الوهابية وعلاقة الدولة السعودية بالقبائل البدوية، ونسب الأسرة الحاكمة وعلاقته بالدولة. وتبنى الدكتور رأياً غريباً في تفسيره لظهور الدعوة الإصلاحية، اتسم بالمغالطة واعتساف الحقائق التاريخية كي تسير وفق رؤية تمت صياغتها لتفسير الحدث. فلقد أشار إلى أن نشوء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عائد إلى تصدع القبيلة وسيطرة العائلة مكانها! هنا نتساءل: هل درس الدكتور خالد نشأة تلك البلدات؟ وهل استعرض التواريخ المحلية لمعرفة حقيقة الوضع الاجتماعي والسياسي آنذاك؟ وهل تابع تطور حركة القبائل ونشاطها في تلك الفترة؟ فنشأة الكثير من المدن أو البلدات كانت بسبب حراك اجتماعي حضري منبثق عن القبيلة التي لا زال جزء كبير منها يعيش في حالة البداوة آنذاك وعلى علاقات تبادلية مع المجتمعات الموجودة في تلك المدن أو البلدات. والأدلة على ذلك كثيرة، ويمكن للدكتور أن يغوص في أعماق تلك الأحداث، وليس في قشورها كي يتعرف على أسس ذلك التعايش والتبادل والصراعات التي تمت بين الحاضرة والبادية. لذا فإن القول إن ظهور تلك الحواضر كان نتيجة لتصدع القبيلة، هو أمر ترفضه حقائق التاريخ، إلا إذا اعتبر أن تحضر جزء من القبيلة تصدع، فهذا أمر يطول نقاشه. كما أن القول إن مجتمع حاضرة نجد، كان في القرن الثاني عشر الهجري على حافة الانهيار، لا تؤيده الأحداث التاريخية، لأنه عندما قامت الدولة السعودية الأولى وبدأت في بسط سيطرتها على الحاضرة والبادية، واجهت الكثير من الصعوبات خاصة في مواجهة الحواضر القريبة منها التي لم تكن ضعيفة، بل كانت في أقوى عصورها من حيث الحماية التي فرضتها على نفسها والصراعات التي كانت تتم فيما بينها. وهذا لا يعني عدم وجود ضعف في بعض البلدان لظروف طبيعية إلا أن هناك بلداناً أخرى كانت في تلك الفترة تعيش في أوج عنفوانها. تناول الدكتور خالد موضوعاً آخر سبق أن تطرق إليه عدد من الباحثين فيما يتعلق بالحالة الدينية في الجزيرة العربية، عشية ظهور الدعوة الإصلاحية، وذلك لكي يتوصل إلى أن الدولة السعودية لم تنشأ بسبب ديني على الإطلاق؟! فلقد ربط الدكتور، فكرة التوحيد التي نشأت عليها الدعوة بالمفهوم السياسي، ونفى أن يكون هناك تدهور للحالة الدينية في المنطقة آنذاك، مما يعني في رأيه أن الهدف من قيام الدعوة سياسي وليس دينياً في الأساس! وهنا نقول، إن الحالة الدينية في المنطقة وصفت في مصادر بأنها كانت سيئة جداً، وظهرت بعض المبالغات في ذلك، ووصفت في مصادر أخرى بأنها كانت جيدة واتسمت بوجود العلماء في المنطقة الذين ذكرت أسماؤهم في عدد من مصادر الأعلام عن تلك الفترة، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود حالة دينية تستدعي الإصلاح. فالحالة الدينية كانت فعلاً سيئة من حيث مدى التزام المجتمع بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وكان انتشار البدع والشركيات ظاهراً يدعو إلى قيام حركة لتصحيحها تنطلق من المبدأ الإسلامي من الأساس وهو التوحيد. لذا ركز الشيخ محمد بن عبدالوهاب على مسألة التوحيد نتيجة للحالة الدينية آنذاك، باعتباره منطلقاً للإصلاح الديني وليس السياسي كما قال بذلك الدكتور. والشيخ محمد في رسائله لم يقل بانعدام الحياة العلمية وإنما أشار إلى ضعف في العقيدة وانشغال بالفقه فقط، مما أتاح انتشار السلوكيات التعبدية الخاطئة والمتصلة بالتوحيد. والمعروف أن انتشار البدع والشركيات ليس أمراً غريباً، حتى وإن بالغ بعض المؤرخين في وجوده آنذاك، ولنا أن ننظر في عالمنا المعاصر اليوم، حيث توجد في البلاد العربية ممارسات تناقض التوحيد رغم عدم القبول بها سواء كانت ممارسات قبورية أو سلوكيات اجتماعية مخالفة للدين وخصوصاً للعقيدة. كما أن ما حدث بعد ظهور الشيخ محمد بن الوهاب -رحمه الله- من معارضة من قبل بعض العلماء المحليين يدل على عدم القول بعدم وجود حياة علمية آنذاك. أما قول الدكتور خالد إن ظهور الدعوة الإصلاحية جاء استجابة لتصدع القبيلة واستبدالها بالدولة، فهذا أمر غريب أيضاً، لأن الدكتور ركز مجدداً على الإطار المكاني مستخدماً خلفية تاريخية معينة للوصول إلى هذه الفكرة، والصحيح هو أن الحراك الذي حدث وأدى إلى إنشاء الدولة السعودية الأولى كان ناتجاً عن ظهور شخصية دينية درست على يد عدد من المشايخ والعلماء في الحجاز وفي الأحساء وفي البصرة، وشاء الله عز وجل أن يقوم هذا الشيخ بمعارضة تلك الممارسات غير الشرعية في منطقته مستخدماً الأساس الديني الصحيح منذ عهد الدولة الإسلامية الأولى، وهو العمل على تصحيح تلك الأخطاء والممارسات وتثبيت العقيدة الصحيحة من خلال سلطة تسانده في ذلك. أما تساؤل الدكتور خالد والذي لفت نظره بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يبحث عن الدعم خارج منطقة العارض، فجوابه يسيرٌ ويتمثل في أن الشيخ هو أصلاً من منطقة العارض وتحركه مرتبط بمحيطه الذي عاش فيه، وانتقاله من حريملاء إلى العيينة ثم إلى الدرعية يدل على أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان هو المحرك الأساس لهذه الدعوة الإصلاحية إلى أن توصل إلى القرار بالانتقال إلى الدرعية ومبايعة الإمام محمد بن سعود على نصرة الدعوة. وانتقال الشيخ إلى الدرعية كان لأسباب عديدة ليس بينها ذلك الإرث التاريخي الذي يركز عليه الدكتور خالد. فمن تلك الأسباب اضطرار أمير العيينة إلى عدم الاستمرار في مناصرة الشيخ في حركته الإصلاحية، واختيار الشيخ الدرعية بديلاً لاتصاله بقاضيها وابنيْ أميرها الذين كانوا يدرسون على يد الشيخ في العيينة، والذين ربما شجعوا الشيخ على المجيء إليهم. ومن الأسباب القوية الأخرى أن الدرعية كانت إمارة في أوج قوتها واستقلاليتها بسبب شخصية الإمام محمد بن سعود الذي رسخ مكانة الدرعية في المنطقة وابتعد بها عن الوقوع تحت سيطرة القوى الموجودة آنذاك في شرقي الجزيرة العربية وغربها. والدارس لتاريخ الإمام محمد بن سعود من خلال المتاح من المعلومات في بعض المصادر المحلية، يتبين له مدى ما قام به من جهود لترسيخ الإمارة ونشر الاستقرار بها وإيجاد علاقات ذات استقلالية مع القوى المجاورة. ولاشك أن دراسة تاريخ الدرعية من حيث نشأتها والتطورات التي مرت بها إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ستقود إلى إيضاح جوانب هذه الشخصية التي استطاعت تبني الدعوة ومناصرتها وإنشاء دولة تقوم على ذلك. كما أدعو الأخ الدكتور خالد إلى الانفكاك من هذا التنظير التعسفي والاتجاه إلى دراسة تاريخ الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة بشكل معمق، كي يتبين له مدى الارتباط الديني في قيام الدولة واتساعها. فالعودة إلى أدبيات الدولة السعودية وأئمتها وعلمائها تشير بكل جلاء إلى هذا الارتباط الذي يقول الدكتور خالد بعدم صحته. ومن خلال قراءة أحداث انتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية والدور الذي قامت به زوجة الإمام محمد بن سعود، يتبين عدم وجود ما أسماه الدكتور خالد بالنمطية. فالإمام محمد بن سعود لم يبادر بالبحث عن حجة لإنشاء دولة من جهة، والشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يتجه في بداية أمره إلى الدرعية ليبحث عن مناصر لدعوته في ذلك المكان بحد ذاته، أي الدرعية. وهنا أيضاً يبرز السؤال الجدلي الذي طرحه الدكتور خالد: لماذا لم يؤسس الدروع، وهم من بني حنيفة دولة؟ فالدروع كانوا مستقرين ولهم قوتهم، وبسببهم نشأت الدرعية عندما أقطعوا أبناء عمومتهم أراضي المليبيد وغصيبة ليقيموا فيهما في القرن التاسع الهجري. والحقيقة هي أن أساس الدولة السعودية هو الدين وليس غير ذلك. والبحث في رؤى أخرى تتسم بالجاذبية وتختزل الأحداث وتربط بعضها بإطار غير منطقي لا يصمد أمام حقائق التاريخ. وبقراءة معالم المجتمع السعودي بعد قيام الدولة السعودية الأولى ثم سقوطها وظهور الدولة السعودية الثانية ثم الدولة السعودية الثالثة، يتبين عدم صحة الأساس والمنطلق الذي حدده الدكتور خالد لتفسير قيام الدولة السعودية الأولى. فالقبيلة ظلت قوية والبلدات والحواضر ظلت قوية ولكن الأساس الديني للدعوة، الذي قامت عليه الدولة السعودية هو الذي أنشأ الدولة وأقامها وليس ذلك الإرث التاريخي الذي نسج قصته الدكتور خالد. ومن جانب آخر، يبدو أن الدكتور خالد تجاهل انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وتأثيرها الذي وصل إلى حد نشوء حركات إصلاحية أخرى قامت على نفس المبدأ، وما ذلك الانتشار إلا دليلاً على أن الدعوة كانت أساسية وحقيقية وليست بقصد تأسيس دولة فقط. وأخيراً، أشار الدكتور خالد إلى أن دعوة الشيخ لم تكن أول حركة دينية في نجد، ذات أثر في تاريخ المجتمع، وإنما في رأيه كانت هناك حركة تعليمية دينية تتمحور حول الفقه سبقتها. وهذا غير دقيق، لأن المجتمع آنذاك كانت به حالة من التعليم الديني الأساس من جهة وعلماؤه كانوا يقومون بالواجب الأساس المتمثل في القضاء والفتوى ويتوارون عن معارضة ما انتشر في المجتمع من بدع وخرافات سيطرت على الكثير من عامة الناس في تلك الفترة. ولاشك أن مواجهة تلك الأخطاء وتصحيحها يحتاج إلى سلطة تساند ذلك، مما دعا الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى البحث عن أمير يساند الفكرة التي بدأ دعوته فيها من خلال محاولة إعادة الناس إلى صفاء العقيدة الإسلامية والبعد عما لحق بها من شوائب وفساد في العقيدة. ولذا وجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الإمام محمد بن سعود ذلك الرجل الذي يستطيع أن يحمل لواء الدعوة، وهو ما حدث وبذلك تأسست الدولة السعودية الأولى. د. فهد بن عبدالله السماري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أكاديمي سعودي