رئيس الحكومة الإسرائيلية كرر أكثر من مرة في الأسابيع الفائتة أن: حزب الله لم يعد "يشكل دولة ضمن دولة"! "ولم يعد تهديداً"! "ولم تعد قدراته كما كانت"! "وفقد شهيته على قتال إسرائيل بعد الحرب الأخيرة"! والرئيس نفسه يزور واشنطن، ويلتقي الرئيس الأميركي جورج بوش الذي يوصيه بـ:"دربوا جيشكم جيداً. انتبهوا. حسـِّنوا أداءكم وتكتيكاتكم. وسنزوِّدكم بكل الأسلحة"! وذلك لمواجهة "حزب الله"! ترى من يتواطأ مع مَن؟ من يشجع مَن؟ من نصدق؟ مَن يدفع مَن نحو حرب جديدة؟ ولماذا التدريب والمزيد من الأسلحة والاستعداد لحرب ضد "حزب الله" ما دامت تأكيدات إيهود أولمرت لا تشير إلى أي أمر خطير كما أعلن؟ لم يعد سراً الحديث عن حرب مقبلة في منتصف 2007 أو في صيف العام المقبل. ولم يعد سراً أنه بعد ساعات من لقاء أولمرت وبوش ونصائح الأخير بدأت التدريبات في الجليل. فإلى أين هذه السياسة؟ هل المغامرات الجديدة، وسياسة الإرهاب يمكن أن تؤدي إلى أمن واستقرار في المنطقة؟ هل التدريبات والاستعدادات إلى جولة جديدة من الحرب هي السبيل لتطبيق القرار 1701؟ هل الحرب الجديدة تنقذ سمعة الجيش الإسرائيلي وصدقيته، والنقاشات في داخله وعلى صفحات الجرائد والشاشات لا تزال قائمة وتتقاطع فيها المواقف حول المطالبة بإقالة قادة عسكريين وعلى رأسهم رئيس الأركان وعدد آخر من المسؤولين في مواقع مختلفة بسبب فشلهم في الحرب على لبنان؟ وهل خيار القوة والعدوان هو الذي يلجم قوى "التطرف" و"الإرهاب" كما تسميها إسرائيل وأميركا؟ وهل استمرار الطلعات الجوية الإسرائيلية والانتهاكات للسيادة اللبنانية في ظل القرار 1701 ووجود القوات الدولية لضمان تنفيذه هو الذي يطمئن اللبنانيين ويعزز دور الجيش اللبناني وحضور الدولة اللبنانية؟ أم أن كل ذلك يهدد هذا الدور والحضور، ويعزز منطق الذين يتمسكون بخيار السلاح والمقاومة في مواجهة إسرائيل؟ وهم محقون في ذلك في ظل عجز الجميع عن منع إسرائيل عن ممارسة اعتداءاتها! هل الممارسات والدعوات والتحضيرات الحالية لحرب جديدة هي التي تطمئن المواطن الجنوبي المنكوب والمواطن اللبناني القلق؟ أم أنها تبقي حالة الاستنفار وتدفع الجميع إلى التمسك بحقهم في مواجهة العدوان بكل الوسائل والأساليب والإمكانات؟ أتساءل مراراً أمام نفسي وأمام مسؤولين أميركيين: هل يعلمون ماذا يفعلون؟ هل يريدون فعلاً حرية وسيادة وأمناً واستقراراً؟ هل يريدون حلولاً واحتراماً للقرارات الدولية؟ هل لديهم القدرة والاستعداد للاستماع إلى ملاحظات وتقييم نتائج سياساتهم بشكل موضوعي، وبالتالي الاستعداد لتغييرها بما يتناسب مع الشعارات التي تطرح؟ الأجوبة الثابتة حتى الآن، بل الجواب الوحيد هو: لا. إنهم لا يريدون الوصول إلى ما يقولون! إنهم شركاء في الجريمة والقتل والإرهاب وإنتاج الإرهاب والعنف أينما كان! كل عقولهم التي أنتجت هذه التكنولوجيا المتطورة وهذه الأسلحة المرعبة، وهذه "المدنية" وهذه "الحضارة" المذهلة... ليس فيها مكان لخير! فهل يعقل بعد الذي حصل في لبنان أن تغطى كل ممارسات إسرائيل العدوانية المستمرة، ونصدق أن ثمة احتراماً للقرارات التي عملوا على إنتاجها أم أن في ذلك تأكيداً جديداً أنهم أرادوا من ورائها حماية حكومة أولمرت التي فشلت في تحقيق أهدافها بعد إعطائها الفرص المتتالية لإسقاط "حزب الله". وعندما لم يعد ثمة أمل، وباتت هي المهددة بالسقوط، كان لابد من إنقاذها وإبقاء الأبواب المفتوحة، ليبقى لبنان في دوامة التهديد؟ وهل يمكن الوثوق بالإدارة الأميركية وسياستها عندما تغطي مسبقاً المجازر في غزة وبيت حانون، من خلال التصريحات المؤيدة لاجتياح المدنيين تحت عنوان: "إن الحملة المرتقبة على غزة تأتي في إطار الدفاع عن النفس". تشن حرباً، وتقتل المدنيين الأبرياء، فيقولون إن هذا خطأ فني. لترتفع أصوات أخرى تقول: هذا ليس خطأً. يعني لتعترف بالجريمة المقررة عن سابق تصور وتصميم؟ ثم ومع تزايد عدد الشهداء والجرحى المدنيين واستنكار معظم دول العالم للمجازر ينعقد مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأنها فتقف أميركا إلى جانب إسرائيل، تحمي إرهابها وتستخدم حق "الفيتو" لمنع اتخاذ قرار لإدانتها على ممارساتها! إلى أين ستؤدي هذه السياسة؟ الجواب: إلى نتيجة واحدة: خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، أو من يخلفه إذا قتلوه، أو أياً من رفاقه هو قائد فلسطين إن لم يكن شخصاً آخر أكثر تشدداً منه وفي نظر إسرائيل أكثر "إرهاباً "منه! غريب كيف تتصرف هذه القيادة الأميركية التي تشير كل استطلاعات الرأي إلى تراجع الثقة بها وبدولتها في لبنان بعد الحرب الأخيرة على لبنان. وإلى اهتزاز صدقيتها في كل العالم العربي والإسلامي. وكيف تظهر نتائج هذه السياسة سقوطاً لها داخل أميركا، وكيف تظهر نتائج سياسة حليفتها الحكومة الإسرائيلية انهياراً وتصدعاً في الجيش، وتستمر في الوقت ذاته على السياسة نفسها معتمدة الخيارات ذاتها؟ إنه الانغلاق! إنه الحقد! إنها القوة السياسية والمالية والعسكرية والاقتصادية، التي لا يزالون يتوهمون أنهم من خلالها ومهما خسروا بإمكانهم السيطرة على العالم لأنها قوة خارقة جبارة لا مثيل لها في عالم اليوم! وهذا بحد ذاته يدل على قصر نظر. فالعالم منذ عام 2000 وحتى الآن قد تغير. أميركا كانت أكثر تفرداً واستفراداً بالقرار! وكانت أكثر قوة وحضوراً في مجلس الأمن! وأكثر قدرة على ابتزاز الدول الأخرى. أما اليوم فثمة قوى كبرى لا تستطيع أميركا تجاهلها. بل هي مضطرة إلى مسايرتها ومساومتها. وهي التي تخضع لابتزاز من قبل الدول الأخرى. والأصوات بدأت ترتفع في أكثر من موقع في العالم تدعو إلى قيام نظام دولي متعدد الأقطاب ورفض بقاء السيطرة والهيمنة الأميركيتين اللتين لم تخلـّفا إلا الخراب والدمار. وأعتقد أن مثل هذا النظام سيعود إلى الظهور بصيغة جديدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الدولي القديم، ولن تكون أميركا في موقع القوة ذاته الذي كانت فيه منذ سنوات! فنحن في بداية عصر جديد لكن التحولات ستكون هائلة ومكلفة على البشرية جمعاء بسبب الرعونة والحماقة الأميركيتين. لن يكون أمن وسلام واستقرار واعتدال في منطقتنا ما دامت القضية الفلسطينية دون حل عادل دائم يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه. ودون تنفيذ القرارات الدولية في لبنان. فكيف إذا تحدثنا عن الكارثة الكبرى في العراق والسقوط المريع لأميركا وخياراتها هناك؟ وانعكاسات ذاك على كل الجوار وعلـى ملف الصراع الأميركي– الإيراني النووي؟ لقد سقطت أميركا في كل المواقع. وسقطت إسرائيل في كل المعارك، فهل تنقذهما حرب جديدة أم يدفعهما السقوط إلى البحث عن صيغ تكرس أمناً واستقراراً كي لا أقول إن البديل سيكون تقدم مواقع من يعتبرونهم إرهابيين من إيران إلى فلسطين مروراً بلبنان والعراق؟