أقرأ هذه الأيام كتاباً جميلاً كتبه الدكتور "ستيفن سلايطة"، وهو أستاذ أميركي من أصل أردني، عاش مع والديه في منطقة فقيرة في جبال "أبلاشيا" في جنوب شرق الولايات المتحدة، وعنوان الكتاب "العداء العنصري ضد العرب في الولايات المتحدة"، يتحدث المؤلف فيه عن العداء العنصري الذي يتعرض له العرب الأميركيون منذ 11 سبتمبر، وحتى الوقت الحاضر. وبينما تتراوح الإحصاءات الخاصة بتعداد العرب الأميركيين من أصل عربي، ما بين مليون ومائتي ألف نسمة، حسب الإحصاءات الرسمية، إلى حوالى ثلاثة ملايين شخص، حسب إحصاءات منظمات العرب الأميركيين، فإن عدداً كبيراً من الأميركيين من ذوي الأصول العربية يخشون إعطاء أسمائهم إلى هيئة الإحصاء الأميركية، خشية سوء استخدام هذه الهيئة لتلك المعلومات، أو تسليم أسمائهم إلى وزارة الداخلية الأميركية، حيث يتم التنسيق بين الهيئة وتلك الوزارة بشكل منتظم. يبدأ الكاتب كتابه بفصل كامل عن حياته كطفل عربي ينتمي لأقلية أجنبية، وسط محيط كامل من البيض، غالبيتهم من الفقراء، أو من عمال مناجم الفحم. ومع أن والديه يعتبران من الطبقة الوسطى، حيث عمل والده كأستاذ في إحدى الكليات المحلية، وعملت أمه التي تنحدر من أصول فلسطينية ونيكاراجوية، كمعلمة للغة الأسبانية في مدرسة ثانوية في المنطقة نفسها. يتوقع المرء من طفل ينتمي إلى مثل هذه العائلة متوسطة الحال، أن يتمتع بمعيشة جيدة في بيئة ريفية، ولكن الحال عكس ذلك. فالطفل الصغير يشعر منذ نعومة أظفاره، بأنه يختلف عن بقية رفاقه في الصف، فتارة ينعتونه بالهندي، وأخرى بالبدوي الأسود، وثالثة بالمكسيكي الهارب عبر الحدود. وحين تضع والدته لطفلها الصغير بعضاً من ورق العنب في غذائه، فإن أستاذه في المدرسة الابتدائية يهزأ من "القطع" الموضوعة في العلبة. يشعر الطفل الصغير منذ نعومة أظفاره، بأنه يختلف عن بقية زملائه في الصف والمدرسة، فهو طالب أجنبي، مع أنه مولود في أميركا، وهو غريب أسمر في بيئة بيضاء، لا، بل إنه يشعر بالعنصرية في بيته، فجارهم يبني جداراً من الشبك في حديقة منزله كعازل بينه وهذا الجار العربي، بينما بقيت حديقته مفتوحة على منازل الجيران البيض الآخرين. ويشبِّه "ستيفن سلايطة" هذا الجدار بالجدار العازل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية، أو الجدار العازل الذي سيبنيه جورج بوش علي الحدود المكسيكية- الأميركية، وكلها في رأي الكاتب تنبئ عن نوع عجيب من العنصرية التي تأخذ أبعاداً اجتماعية وثقافية وأدبية متعددة. فشعور الرجل الأبيض بالعظمة، حسب نظر "سلايطة" يجعله ينظر إلى العرب بنظرة تعالٍ، ويضفي عليهم سمات و"ستيريو تايب" خاصة بهم. ومثل هذه النظرة ليست قصراً على الكتّاب البيض، بل إن بعضاً من الباحثين العرب في الولايات المتحدة في رأيه، من أمثال (فؤاد عجمي، وابن الورّاق، وكنعان مكيّة) يبثون خوفاً وعداءً للإسلام والمسلمين، يرتقي بهم إلى درجة كبيرة من العنصرية، ضد بني جنسهم. وترتبط العنصرية ضد العرب بالخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا". ويفرِّق الكاتب بين العنصرية ضد اليهود، والعنصرية ضد العرب والمسلمين، فالعنصرية ضد اليهود خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، اتسمت بشكل رئيسي بنظرة احتقار وازدراء لليهود، بينما ارتكزت العنصرية ضد العرب والمسلمين الحالية، على نظرة خوف وتوجّس، مما يوحي بأن هؤلاء العرب والمسلمين ينتمون إلى جنس عنيف وغير إنساني، وبالتالي يستحقون هذه النظرة العدائية. وبحق، فقد أصبح العرب والمسلمون اليوم هم اليهود الجدد للحضارة الأوروبية والأميركية، فكل فئة عرقية لها احترامها، وكل دين لا يمكن الإساءة إليه، إلا العرب والمنتمين إلى الديانة الإسلامية. تتركز فصول كتاب "سيتفن سلايطة" على مقولة إن الولايات المتحدة تسودها عنصرية عجيبة، وإن هذه العنصرية موجهة في المقام الأول، ضد العرب والمسلمين، حتى لو كانوا مواطنين أميركيين، وإن هذه العنصرية كانت جزءاً من التاريخ الأميركي، كما يقول، حينما استهدفت الهنود الحمر، أو السود والمكسيكيين، لأنهم لا يتمتعون ببشرة بيضاء. ولأن النظام الاقتصادي القائم كان يعتمد على عمل هؤلاء السود في زراعة القطن والتبغ، كما اعتمدت الصناعة وبناء ناطحات السحاب على الهنود الأميركيين، وهذا يعني أن هذه المجموعات البشرية كان عليها أن تقوم بأعباء زراعية وصناعية هائلة، ومع ذلك فإنها تحتمل كل ما يأتيها من تفرقة وإهانة عنصرية. وينظر المؤلف إلى السياسة الخارجية الأميركية انطلاقاً من سياستها الداخلية، فمثلما كانت هذه السياسة تاريخياً منطلقة من منطلقات أيديولوجية عنصرية، فإن سياستها الخارجية ستنطلق حتماً من مثل هذه المنطلقات. ومثلما استُعبد الرجل الأسود في مزارع القطن الجنوبية، فإن حاجة الولايات المتحدة إلى النفط والمواد الخام تجعلها كذلك، تنظر إلى الشعوب الأخرى التي تقطن البلدان المنتجة لمثل هذه السلع بنظرة مشابهة. ويرتبط هذا البناء الفكري والفلسفي للسياسة الخارجية، بمتطلبات الاقتصاد والصناعة الأميركية من طاقة ومواد أولية. يأخذ وضع العرب والمسلمين بعد أحداث سبتمبر، شكلاً صعباً وغير إنساني، حسب رؤية الكاتب، وتتزايد حالات الاعتداء ضد العرب والمسلمين في أعقاب تلك الأحداث، كما تمتنع بعض المناطق السكانية من احتضان بعض المساجد، على اعتبار أن هذه المساجد تخرّج أجيالاً من الشباب "الإرهابيين". ويلعب الإعلام دوراً مهماً في تعزيز صورة العربي الإرهابي، فكل عربي أو مسلم، هو بالضرورة إرهابي، أو في طريقه إلى ربط الإسلام بالإرهاب. فحملة بوش الانتخابية عام 2004، كانت مليئة بمثل هذه الصور التلفزيونية التي ترينا إيّاه محافظاً على أمن الولايات المتحدة في وجه البرابرة من العرب والمسلمين، كما أن الإعلام لا يرى ما يحدث على الأرض، فهو يقلل مما يتعرض له العرب والمسلمون في بعض الولايات من مضايقات ومنغصات، ولا يقتصر ذلك على "المحافظين الجدد"، بل يتعداهم إلى الصحافة الليبرالية التي تنظر بشيء من العداء للعرب والمسلمين، خاصة حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. فها هو الكاتب الأميركي "جون برازو" يصف الثقافة الفلسطينية بثقافة "الكراهية"، لأنها معادية لكل قيم أخلاقية تقوم على الاعتراف بإسرائيل أو التعايش السلمي معها، وها هو النائب "توم ديلي" يصف الفلسطينيين بأنهم أعداء للعالم المتحضر. وهكذا يصف بعض الساسة الأميركيين صراعهم في المنطقة، بأنه صراع بين "الخير" و"الشر"، ويصبح -والحال كذلك- من السهل حسب هذه المعايير، تبرير مسألة احتلال إسرائيل للأراضي العربية، وإقامة المستعمرات عليها، كما يصبح قتل الفلسطينيين مسألة لا تستحق الاهتمام، أو أنها خطأ "فني" أو تقني، كما يقول السفير الأميركي في الأمم المتحدة حين وصف مجزرة غزة في الأسبوع الماضي، حينما أشهر قرار "الفيتو" المشؤوم. وتصبح مجزرة غزة شبيهة بمجزرة "جنين" عام 2002، حينما اعتبر المعلقون الأميركان أن نقل التلفزات العالمية لهذه المذابح أمر "مبالغ فيه". وهكذا حسب رأي الكاتب، فإن بعض الصحافيين، وبعض الساسة في الولايات المتحدة ينطلقون من منطلقات عنصرية في نظرتهم للأعمال الهمجية الإسرائيلية والمجازر اليومية بحق الفلسطينيين، على اعتبار أن هؤلاء الفلسطينيين العرب لا يصلون إلى مرحلة الإنسانية الكاملة التي يتمتع بها البيض من الإسرائيليين، وكأنه لا ينبغي على المجتمع الدولي المحافظة على حياة الفلسطينيين، وحقهم في العيش فوق أرضهم، خاصة إذا كانت هذه الأرض في طريقها إلى المصادرة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. ويتصدى المؤلف في كتابه لنقطة مهمة، تختص بما يسميه التحريض الديني الذي يقوم به الصحافيون والإعلاميون ضد الكتب الدراسية الفلسطينية، على اعتبار أنها تحرّض على العنف والكراهية ضد الإسرائيليين. ويرى أن ذلك أمر طبيعي، حيث إن الكتب الفلسطينية تتحدث عن واقع تاريخي يعاني منه الفلسطينيون عبر خمسين عاماً من الاحتلال. ولكن ماذا عن الكتب الدراسية الإسرائيلية؟ يورد المؤلف هنا ثلاث دراسات مختلفة لباحثين إسرائيليين، فالأستاذ بجامعة تل أبيب "دانيال بارتال" يشير إلى أن الكتب الدراسية الإسرائيلية تظهر أن حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين، حروب "مشروعة وإنسانية"، ضد عدو عربي يرفض الوجود الإسرائيلي وحقه في الوجود. كما أن هذه الكتب تشير إلى أن اليهود صناعيون وشجعان قادرون على العيش في أرض يصعب على العرب أن يعيشوا فيها. كما أن الفلسطينيين شعب بدائي لا يعرف سوى القتل والحرق والخراب. أما الباحث الإسرائيلي "إيلاي بوده" من الجامعة العبرية، فإنه يشير في دراسته لمفاهيم طلاب المدارس الثانوية، إلى أن كل ما تقوم به إسرائيل مشروع، بينما ما يقوم به العرب غير شرعي وعنيف، وهم "يعملون على القضاء علينا". وتشير باحثة إسرائيلية أخرى "إدير كوهين" في دراستها للمناهج من الصف الرابع إلى السادس الإسرائيلية، أن العربي "مجرم وإرهابي يختطف الأطفال". لذلك فإن 80% من طلاب هذه المدارس يرون العربي "قذراً وبوجه متسخ". كما أن 90% منهم يرون أن الفلسطينيين لا حق لهم في العيش في أرض فلسطين، كما أن دراستها تشير كذلك إلى أن 520 كتاباً من أصل 1700 كتاب مدرسي إسرائيلي ينظر نظرة سلبية إلى الفلسطينيين، كما أن 66% تصف العرب بالعنف، و52% تنظر إليهم على أنهم شياطين، وهكذا دواليك. وهكذا يدرس الباحث في كتابه القيّم هذه العنصرية الأميركية الواضحة والمستترة ضد العرب والمسلمين، حتى لو كانت جنسيتهم أميركية. وهو كتاب جدير بكل عضو جديد منتخب في الكونجرس الأميركي أن يقرأه بتمعن وأن يستوعب تفاصيله.