تمكن الرئيس بوش من استنقاذ شيء كان يمكن للأسبوع الماضي بدون استنقاذه أن يكون أسبوعًا غاية في الكآبة بالنسبة له، وذلك عندما اختار "روبرت غيتس" وزيراً للدفاع. وغيتس من وجهة نظري رجل ذو خبرة عريضة في واشنطن، ويتميز بالمزاج الملائم الذي يمكنه من تغيير تفكير الإدارة بشأن مهمتنا في العراق، وعمل التغيرات التي طال انتظارها بشأن الطريقة التي ينبغي علينا أن ندافع عن أمتنا بها. ومعظم المنتقدين لهذا القرار اعتمدوا في نقدهم على أن خبرة روبرت غيتس الأساسية كانت في العمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وبالتالي فإنه ليس بالرجل الصالح لتولي منصب وزير الدفاع. وباعتباري رجلاً خدمت في المؤسستين، فإنني أرى أنه ليس هناك من هو أصلح لتولي منصب وزير الدفاع في هذه الظروف من روبرت غيتس لأن الرجل يتمتع بعقلية محايدة تتميز بالموضوعية في التحليل والتقييم، وهو تحديداً ما يحتاج إليه الرئيس بوش في الوقت الراهن، وما تنتظره البلاد أيضاً. والسؤال المهم الذي ينبغي على غيتس أن يجيب عليه بشأن العراق هو: هل تحقق الولايات المتحدة تقدماً تجاه تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي كانت قد رسمتها لنفسها هناك، وهي مساعدة العراقيين في صيانة الأمن، وتعيين حكومة قادرة وفعالة ، واستعادة الخدمات الأساسية؟ فإذا كانت إجابة غيتس على ذلك بالنفي-وهذا ما أتوقعه- فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يخبر الرئيس بدون مواربة بأن الوقت قد حان للانسحاب من هذا البلد، وأنه كلما كان هذا الانسحاب أبكر كلما كان أفضل. وعلى العكس من الآراء السائدة داخل الحزبين فإن الانسحاب الأميركي من العراق ممكن، وليس من الضروري أن تترتب عليه كارثة على المصالح الأميركية في المنطقة. ويمكن تحقيق هذا من خلال قيام وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وستيف هادلي مستشار الأمن القومي، ومعهما روبرت غيتس كوزير دفاع، برسم معالم مسار ثانوي يتوازى مع الانسحاب العسكري ويسير معه جنبًا إلى جنب، ويتمحور حول تدشين مبادرات اقتصادية ودبلوماسية جديدة في الشرق الأوسط من أجل استعادة مصداقية أميركا وسمعتها هناك. ويتعين على أميركا أيضاً أن تتبع نهجاً جديداً في التعامل مع إيران بشكل خاص، وذلك لأسباب عديدة منها الدور الذي تلعبه تلك الدولة في العراق، ووضعها كواحدة من كبريات الدول المصدرة للنفط في العالم، وبرنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم الذي يمكن أن ينتهي بها إلى امتلاك سلاح نووي. ومما يذكر في هذا السياق أن روبرت غيتس وزبينجنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي إبان إدارة جيمي كارتر، قد قادا مجلساً يعمل في إطار لجنة العلاقات الخارجية كان قد أوصى بضرورة اتباع نهج جديد أكثر فعالية في التعامل مع إيران، يقوم على المزيد من التفاعل مع الشأن الإيراني. ليس هناك خلاف حول وجود نوع من المفارقة في اختيار رئيس سابق للاستخبارات المركزية الأميركية للعمل وزيراً الدفاع خصوصاً بعد الفشل الاستخباري الذريع الذي تعرضت له الوكالة بشأن موضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية.. وليس هناك خلاف أيضاً على أن ثقافة العمل في الوكالة عنها في "البنتاجون"، ولكن هذا لا يجب أن يدعونا لأن نصدر حكماً مسبقاً بالفشل على الرجل خصوصاً وأنه ليس أول رئيس للوكالة يقود "البنتاجون" حيث سبقه لذلك "جيمس شليزنجر" في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، والذي يعتبر من أبرز من شغلوا هذا المنصب وأكثرهم استقلالية عن البيت الأبيض. وهناك مهام عديدة تنتظر وزير الدفاع الجديد، ولكني أتمنى أن يبدأ بمحاولة إعادة علاقات الثقة بين كبار القادة العسكريين التي كانت قائمة في فترة قيادة "ويليام بيري" الناجحة للمؤسسة العسكرية الأميركية في تسعينيات القرن الماضي. ومن المتوقع أن تتسبب ميزانية الدفاع الهائلة للعام المقبل التي يقدر أنها ستصل إلى 530 مليار دولار في صدمة للكونجرس خصوصاً وأن تلك الميزانية مرشحة للزيادة خلال السنوات التالية من أجل تنفيذ عملية تحديث، وزيادة عدد وعتاد ودرجة جاهزية الجيش وسلاح المارينز للوصول بهما إلى مستويات جديدة عقب الانسحاب من العراق. وليس هناك في رأيي من هو أنسب من روبرت غيتس للدفاع عن تلك الميزانية أمام الكونجرس .. كما ليس هناك من هو أفضل منه لإيقاف الممارسة الخاصة بقيام "البنتاجون" باستخدام ميزانياته الباهظة في الاستخبارات في العمل بشكل مستقل عن باقي الأجهزة الاستخباراتية في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يثير البعض بعض الاعتراضات على تعيين الرجل باعتبار أنه كان له ضلع فيما عرف بفضيحة إيران- كونترا، وسيشككون في قدرته بالتالي على قيادة عمليات سرية، ولكن هذا اعتراض ليست له قيمة كبيرة في نظري ولا يقلل من إيماني أنا شخصياً بقدرات الرجل وسلامة حكمه على الأمور، وهو ما لمسته بشكل مباشر من خلال عملي كرئيس للوكالة، والذي أتاح لي رؤية العمل المنظم والمنهجي الذي قام به غيتس في تحقيق التعاون بين مديرية العمليات ومديرية الاستخبارات في ذلك الوقت. أقول للرئيس بوش أحسنت! لقد اخترت الرجل المناسب للمنصب -ولعلها كلمة تقريظ لم يسمعها الرئيس كثيراً في الآونة الأخيرة. وأقول للكونجرس إنه يجب أن يوافق على تعيين الرجل فوراً وأن يشكره على ما أبداه من استعداد فوري لتولي للمنصب وأن يقول أعضاؤه له إنهم يتوقعون منه نتائج عظيمة. ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"