رغم أنه ما زال يتعلم فك رموز اللغة العبرية، إلا أن اسم أفيغدور ليبرمان، الروسي الأصل، المهاجر حديثاً إلى إسرائيل، برز كرجل إشكالي بسبب يمينيته المتطرفة القائمة على عنصرية وفاشية. لذلك انقسم الإسرائيليون جراء أقواله المعلنة بين مهاجم لها وبين مؤيد، فيما يتخوف البعض الثالث من أطروحاته وأطروحات حزبه. وسيئ السمعة والصيت ليبرمان هذا يدعو، مثلاً، للعودة صراحة ودون مواربة، إلى سياسة "الترانسفير" (الطرد) لكل فلسطينيي الـ48 ليحافظ، كما يدعي، على "نقاء" الدولة اليهودية، كما يدعو لشن هجوم عسكري على إيران حتى دون أخذ موافقة الحليف الاستراتيجي والأم الحنون الولايات المتحدة الأميركية. بل وصلت به الصفاقة حد الدعوة لقصف السد العالي لأن مصر على حد زعمه "تسمح للمقاومة الفلسطينية بتهريب السلاح عبر حدودها"! لكن الأنكى من بين أطروحاته الكثيرة، والتي لا يكاد يتفق معها أحد في إسرائيل، على الأقل في العلن، أنه اقترح اختيار حي سكني في غزة و"تحويله بالقصف الجوي إلى ملعب كرة قدم"، وذلك رداً على صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تتساقط على المستعمرات/ "المستوطنات" الإسرائيلية! بعد أن صادق "الكنيست" الإسرائيلي على انضمام ليبرمان (الذي يتزعم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف) إلى الحكومة كنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير "شؤون المخاطر الاستراتيجية" المكلف متابعة الملف النووي الإيراني، عادت مواقف وصور ليبرمان تتصدر عناوين الصحف العبرية. وفي هذا السياق، أثارت تلك المواقف خوف الكثيرين. فمعارضوه، يرون أنه متطرف مخيف، فاشي وعنصري، يمثل خطراً ليس على فلسطينيي الـ48 فحسب، بل وعلى الدولة العبرية التي لا تحتاج، برأي البعض، لمتطرف جديد يمكن أن يطيح بزعماء إسرائيليين حاكمين يرون فيهم الاعتدال. وفي هذا النطاق، يأتي موقف النائب أحمد الطيبي (رئيس اللائحة العربية الموحدة في "الكنيست") تجسيداً لهذا الموقف، حين قال إن "دخول ليبرمان إلى الحكومة يشكل رسالة فاضحة لإضفاء الشرعية على العنصرية والفاشية اللتين أصبحتا شائعتين في المجتمع الإسرائيلي". والغريب أن هذا الحزب، ذي الأطروحات العنصرية، أصبح زميلاً لحزب العمل "اليساري"... بل وأصبح زعيمه "زميلاً" للنواب الفلسطينيين في "الكنيست" رغم أنه طالب بمحاكمتهم بالخيانة العظمى وإعدامهم بدعوى أنهم "طابور خامس" بعد أن التقى بعضهم قادة حركة "حماس". لكن المشكلة ليست هنا، بل هي تتجاوز مجرد وصول يميني متطرف إلى موقع المسؤولية والقيادة في إسرائيل، فأمثال هؤلاء كثيرون، لكن الملفت أن ليبرمان هذا يمثل، كما يرى بعض الخبراء الإسرائيليين، تحالفاً من نوع جديد بين رأس المال (أياً كان مصدره حتى لو كان ملوثاً) والسلطة. يقول البروفيسور الإسرائيلي داني غوتوين: "إن سياسة ليبرمان هي النموذج الأكثر حداثة للفاشية الإسرائيلية، وهذا نتاج خطير يسعى إلى تأجيج الصراع في المنطقة من أجل ترسيخ سيطرة رأس المال على الاقتصاد والسلطة ومن أجل مأسسة العنصرية تجاه غير اليهود (من مواطني إسرائيل وبالذات العرب منهم)". ويضيف: "إن خطة ليبرمان للسيطرة على الحكم واضحة، فهو سيفسح المجال أمام رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير دفاعه عمير بيريتس للغرق في لجان التحقيق، الأول (أولمرت) في التحقيقات حول العقارات التي في حوزته، والثاني (بيريتس) في الصراعات الداخلية في حزبه... وفي ظل هذا الفراغ، سيبني ليبرمان نفسه على أساس أنه الشخصية الأكثر مسؤولية في الحكومة". وخلافاً لما سبق، فإن ليبرمان ليس حالة فردية أو شاذة في مجتمع كالمجتمع الإسرائيلي وفي دولة عنصرية كإسرائيل قامت على القتل والنهب والسلب، فسابقوه كثر .. مثل مائير كهانا ورحبعام زئيفي وموشيه يعلون وغيرهم الكثير من الذين تأسست سياستهم على أهم بند في الاستراتيجية العنصرية الإسرائيلية ألا وهو "الترانسفير"، وخلفية هؤلاء جميعاً مشتركة. من هنا يأتي قول يتسحاق ليئور في صحيفة "هآرتس" العبرية (2-11-2006) بأن "الأمور لم تكن لتصل إلى حد تعيين ليبرمان وزيراً لشؤون المخاطر الاستراتيجية لو لم نكن قد مررنا بسنوات طويلة وضع خلالها جهاز الأمن نفسه داخل دوامة سياسة استخدام القوة ضد العرب باسم مبررات (حق الآباء والأجداد)"، ويضيف ليئور قائلاً: "ليبرمان امتداد لكاهانا وزئيفي... فكاهانا اعتاد تجنيد الكارثة في لبنان عام 1982 والتي اضطر اليهود لتحملها من أجل إقناع الناس ببرنامجه، وزئيفي استخدم رسائل دافيد بن غوريون حتى يضفي طابعاً أيديولوجياً ونظرياً على سياسته بعد انتخابه للكنيست في ذروة الانتفاضة الأولى... وليبرمان ما كان ليدخل الحكومة لولا الهزيمة في لبنان". ويتابع الكاتب مؤكداً: "هذه هي الخلفية المشتركة لصعود أولئك الذين يتحدّون القانون باسم (الوعد الإلهي)، والذين يدعون أنه لا يوجد لدولة القانون حق في تقييد هذا الوعد... فكلهم ترعرعوا بعد الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية". إن مجرد التعامل مع ليبرمان كظاهرة صحية مقبولة في المجتمع الإسرائيلي، ولهاث رئيس الوزراء لضمه إلى ائتلافه في الحكومة، الأمر الذي يضفي عليه وعلى برامجه وتصريحاته الشرعية، أمران يؤشران على أن المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ونخبها وصلت إلى درجة كبيرة من الانحطاط السياسي، وأن إسرائيل حقاً تعاني من فراغ قيادي. وها إن تحالف أولمرت وبيريتس يأتي بليبرمان وحزبه لملء ذلك الفراغ! وكان غوتوين قد توصل مؤخراً إلى استخلاص مؤداه أنه: "منذ الآن أصبح واضحاً أن الصلاحيات التي طلبها وحصل عليها ليبرمان كمسؤول عن (المخاطر الاستراتيجية)، تلغي الحدود بينه وبين رئيس الحكومة ووزير الدفاع وتحوله عملياً إلى شخص فوقهما، وبعد أن تتراجع مكانة الاثنين فإن ليبرمان سيحل الحكومة ويقود البلاد إلى انتخابات جديدة"! وغني عن الذكر أن مثل هذا التطور يثير المخاطر والمخاوف على نحو أوسع، كون اليمين الإسرائيلي يعيش في حالة صعود، مع تراجع "الوسط" و"اليسار" في ظل أزمة القيادة التي تعصف بهما! خلاصة القول، إن ليبرمان ظاهرة إسرائيلية عنصرية "طبيعية" تقمصتها شخصيات يهودية عدة (منذ زرع دولتهم في فلسطين التاريخية) متسلحة بذريعة سمجة أساسها أن التشدد سببه الخوف من المجهول. وفي هذا السياق، نجحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في استثمار هذه الظاهرة كعنصر مهم لتحقيق "معادلة توحيد الجهود في مجتمع مختلف الثقافات" ليستطيع مواجهة "العدو الفلسطيني"، الأمر الذي يبرر الذرائع الكثيرة لقتل الفلسطيني كائناً من كان. والشاهد هنا أن هؤلاء العنصريين كثيرون، سواء كانوا في الأصل سياسيين أم عسكريين، ولا يمكن أن ننسى أن أرييل شارون كان هو نفسه ظاهرة فاشية/ عنصرية استمرت لعقود عدة.