العراق بلد عريق وثري بتنوع تكوينه الوطني، وقد عرف نظام الدولة المركزية منذ أقدم العصور، كما أنه الموطن الأول للكتابة الأبجدية، ومهد الحضارة البابلية القديمة. وفي تاريخه الحديث عرف مقاومة ضارية ضد الاستعمار البريطاني، وكان البلد العربي الوحيد الذي شارك في تأسيس "عصبة الأمم"، ثم كان عضواً مؤسساً في منظمة "الأمم المتحدة". أما إسهامه الوسيط والحديث في الثقافة العربية، فهو أوسع من أن يحاط به، وقد شهد ميلاد أقدم الأحزاب والجمعيات والروابط العربية، كما عرف ظهور المجتمع المدني مبكراً. لكن ذلك العراق الذي كان على الدوام قاطرة أمامية في التحديث العربي، هو الذي ينغمس اليوم في بحور من دماء الاقتتال الطائفي، حيث يقتل ويتعرض للخطف والتعذيب والتهديد مئات العراقيين يومياً بسبب هوياتهم المذهبية، كما تحولت بغداد، عاصمة العباسيين التاريخية ومركز التنوير وواجهة الانفتاح العربي، إلى "جيتوهات" مذهبية وعرقية، تتبادل الحذر والترصد والقتل! وأياً كانت الأسباب وراء هذا الجنون أو الانحطاط المأساوي الذي أصاب العراق، فقد جاء مباشرة بعد الغزو الأميركي له، وبالتزامن مع صعود النفوذ الإيراني في مناطق واسعة منه! وبذلك أطلت الطائفية كرأس الشيطان الذي يلتهم كل ما هو خيِّر وجميل ومفيد وبناء..! حازم محمود- الشارقة