لماذا لا تذهب منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى الدول الأصلية للعمال الذين تقول إن حقوقهم مهضومة في الإمارات وتمنعهم قبل أن يخرجوا من دولهم من القدوم إلى الإمارات لأنهم لن يحصلوا على حقوقهم؟!.. هل تستطيع المنظمة التي تعرف نصف الحقيقة عن واقع العمال في الإمارات أن تفعل ذلك، وهل تستطيع المنظمة التي لا تنظر إلا إلى الجزء الفارغ من الكوب أن تفيد العمال بطريقة أكثر حضارية لا تسيء فيها في الوقت نفسه إلى واحدة من أكثر دول العالم التي تحافظ على حقوق الإنسان وتحافظ على إنسانية البشر وتقدر وجودهم؟ يوم الأحد الماضي أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، عن تقريرها حول أوضاع العمالة في الإمارات، واستند التقرير إلى "مقابلات مع العمال والمسؤولين الحكوميين وممثلي السفارات الأجنبية"، إضافة إلى الإعلام... وبحسب التقرير الذي نشر تحت عنوان "بناء الأبراج... خداع العمال"، فإن أبرز "الانتهاكات" لحقوق عمال البناء المنحدرين بنسبة كبرى من دول جنوب آسيا؛ هي "الانخفاض الشديد للأجور (بين 106 و250 دولاراً شهرياً)، وحجبها عن العمال لمدة شهرين على الأقل، ولجوء أرباب العمل لمصادرة جوازات سفرهم كضمان لمنعهم من ترك العمل"... وهذه كما قلنا نصف الحقيقة، لذا يمكن أن نضع لهذا التقرير عنواناً آخر وهو "تقارير حقوق الإنسان... خداع العمال". ما هي تلك "الانتهاكات الجسيمة"- حسب وصف تقرير المنظمة- التي يتعرض لها عمال البناء الآسيويون في الإمارات؟ وكيف حكمت المنظمة على حكومة الإمارات بأنها "لا تكاد تفعل شيئاً" لوقف تلك الانتقادات؟! وهل يكفي أن تأخذ المنظمة رأي 60 عاملاً من أصل أكثر من نصف مليون عامل وافد في دولة الإمارات كي تعلن عن نتائج تقريرها العظيم؟! لماذا تتجاهل منظمات حقوق الإنسان وحقوق العمال، حقيقة واضحة وهي أن عملية استغلال أغلب العمال الذين يأتون إلى الخليج، تبدأ من أوطانهم وتتفاقم في الدول التي يأتون للعمل فيها... هناك في تلك الدول الآسيوية تجارة حقيقية بالبشر، وليست هناك أية قوانين تحمي العمال أو حتى البشر، فكل شيء هناك يباع حتى الإنسان! بالتأكيد تلك المنظمات على علم بها، فلماذا لا يتم حل المشكلة من جذورها بدلاً من استعراض العضلات على دول تعمل بجد من أجل توفير الحياة الكريمة لكل من يعيش على أراضيها. لا شك أن التطور والنمو السريع اللذين تشهدهما الإمارات ودول الخليج بشكل عام، يخلقان الحاجة إلى عمالة بأعداد كبيرة من أجل إنجاز المشاريع الجديدة في الأوقات المحددة، وهذا الأمر من الأسباب التي خلقت مشكلة العمالة في دول الخليج والإمارات بشكل خاص. وحكومة الإمارات لم تتأخر في حل تلك المشكلات أولاً بأول، لكن من الواضح أن الممارسات السلبية التي تقوم بها بعض شركات القطاع الخاص كثيرة جداً وتحتاج إلى وقت لحلها، خصوصاً أن العمال كذلك متهمون بانتهاك حقوق أرباب العمل في بعض الشركات. لا ننكر أن هناك هضما لحقوق العمال في بعض الشركات الخاصة في السوق، ولكننا نعتقد أن الحكومة تسعى دائماً إلى أن تحل هذه المشكلات وأن تنهيها بإعادة الحقوق إلى أصحابها وبأقل الأضرار على جميع الأطراف، ولا اعتقد أن هناك دولة في العالم حتى تلك التي ركز عليها "هادي قائمي" الباحث في المنظمة والذي وضع الدراسة التي استند إليها التقرير، لا تعاني من هذه المشكلات من قبل بعض شركات القطاع الخاص بل هناك شركات في تلك الدول "المتحضرة" تنهي خدمات آلاف العمال في يوم واحد من أجل تخفيض النفقات دون أي اعتبار لأوضاعهم الاجتماعية والأسرية والنفسية... وهؤلاء العمال من أهل البلد ويجلسون لأشهر وربما لسنوات يبحثون عن عمل، وهذا بالقطع ما لا يحدث في الإمارات. وتنتقد المنظمة أجور العمال وترى أنها متدنية! لكن إذا كان العامل قبل أن يأتي إلى الإمارات يعرف كم سيكون راتبه- وهو عشرة أضعاف راتبه في بلده الأصلي- ثم يوقع على عقد العمل، وهو يعرف كم سيستلم آخر الشهر وكم سيوفر لنفسه وكم سيرسل لإعالة أسرته وكم سيحتاج لتغطية مصاريفه، ثم يجد الراتب الذي سيستلمه مقبولاً، فلماذا تصر المنظمة على أن هذا الراتب قليل وتوحي لنا وكأنها تريد أن تمنح العمال رواتب المهندسين والمدراء، وهي بذلك تخدع العمال ولا تريد مصلحتهم؟! غريب أن تنتقد المنظمة دولة الإمارات لأنها لم تحبس أياً من أصحاب الشركات الذين تأخروا في صرف رواتب العمال لديهم! وأتساءل هل سترتاح منظمة "هيومن رايتس ووتش" عندما تجد الحكومة قد حبست رجل أعمال لأنه لم يدفع أجر عماله، أم أنها ستكون أكثر سعادة عندما تجبر الحكومة صاحب العمل بدفع ما عليه من حقوق للعمال فوراً؟.. وهل فعلاً يريد العمال أن يسجنوا رب عملهم، أم أنهم يريدون أجرهم وأن يعيشوا بسلام؟ هذه المنظمة الحقوقية الدولية العريقة، تقول إن الإمارات لا تكاد تفعل شيئاً للحد من الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها العمال الأجانب، في حين أنها تعرف تماماً أن لا أحد في الإمارات يقبل بأن يضيع حق أي إنسان، سواء كان عاملاً أو مديراً... وقد عملت الإمارات، وما تزال، على سن القوانين التي تحفظ حقوق العاملين وحقوق الإنسان في الدولة وآخرها قانون منع المتاجرة بالبشر الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" منذ أيام، ويعتبر في كثير من مواده قانوناً رادعاً وحضارياً. لن ندافع عن الخطأ ولن نبرر موقف شركات مخالفة، ولكننا في الوقت نفسه لا نريد أن تقع منظمة مهمة كـ"الهيومن رايتس ووتش" في الخطأ، فتتهم الإمارات التي تعتبر من الدول الداعمة لحقوق الإنسان والمطالبة دائماً بالعدل والمساواة، ليس بين العمال بل وحتى بين المواطنين والمقيمين... ولا نريدها أن تكون انتقائية في عملها، فكما تطالب بحقوق العمالة لماذا لا تتكلم "هيومن رايتس ووتش" عن حقوق الإماراتيين والمقيمين في الإمارات من عرب وأجانب، والذين تنتهك تلك العمالة حقوقهم بشكل يومي من خلال عدم التزامها بالعقود وعدم قيامها بأعمالها بالصورة الكاملة وهروب بعضها، وكذلك من خلال المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تجلبها هذه العمالة من بلادها والجرائم التي يرتكبها البعض منها، ليس ضد كفلائهم فقط بل وحتى بحق الأطفال الأبرياء... ألا تستحق هذه الأمور نظرة من أصدقاء حقوق الإنسان في تلك المنظمة؟! نتمنى أن لا تفقد تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" أهميتها ومصداقيتها، خصوصاً بعد أن أصبح الكثيرون يشعرون أنها تصدر تقاريرها بانتقائية، وليس أوضح من موقفها فيما يتعلق بوضع العمالة في فلسطين، حيث يصطف عشرات آلاف العمال يومياً وسط أسوأ الظروف المناخية في طوابير طويلة أمام الحواجز “الإسرائيلية”، دون أن تحرك المنظمة ساكناً لحمايتهم والضغط على إسرائيل لتتعامل معهم بإنسانية أكثر!