أفرجت مجموعة "تحالف الحضارات" والتي أُنشئت العام الماضي تحت رعاية الأمم المتحدة لتجسير الفجوة الآخذة في الاتساع بين المجتمعين الإسلامي والغربي عن أول تقرير لها يوم الاثنين الماضي. وخلاصة هذا التقرير أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هو المحرك المركزي للتوتر العالمي، غير أن من قاموا بكتابته، وهم مجموعة من الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين الذين ينتمون إلى 19 دولة، ألقوا المزيد من الضوء على هذه النقطة بالقول:" لم نكن نقصد بتركيزنا على الصراع العربي- الفلسطيني الإيحاء بأنه السبب الوحيد لجميع التوترات الحادثة بين المجتمعات الإسلامية والغربية، وإنما كنا نقصد أنه قد اكتسب قيمة رمزية تؤثر على العلاقات الثقافية والسياسية بين المجتمعين وتتجاوز نطاقه الجغرافي بكثير". وعلى الرغم من أن المؤلفين يأملون أن يؤدي تقريرهم إلى تنشيط الحوار بين الثقافتين، فإن نبرته توحي بأنه قد لا يُستقبل بشكل جيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب تركيزه على النقطة الخاصة بالمعايير المزدوجة، التي تطبقها هاتان الدولتان، وعدم تخصيصه سوى لمساحة محدودة للحديث عن أخطاء الفلسطينيين وأخطاء حكومات إسلامية بعينها. ويشكل نقد الولايات المتحدة، وإن كان بشكل غير مباشر أحياناً السمة الرئيسية لهذه الوثيقة، كما أنه يتناول موضوعات كانت سبباً في إغضاب ممثلي إدارة بوش في الماضي، منها على سبيل المثال أن التقرير عند تناوله لهجمات "القاعدة" على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر قال:" إن تلك الهجمات قد استخدمت فيما بعد لتبرير الهجوم على العراق وذلك على الرغم من عدم ثبوت وجود صلة بينه وبين تنظيم القاعدة وهو ما أدى إلى تغذية الشعور في المجتمعات الإسلامية بأنها تتعرض لعدوان ظالم من جانب الغرب". وعلى الرغم من أن وجهة النظر هذه شائعة في العالم الإسلامي، فإنه من غير المحتمل أن تجد قبولاً لدى الإدارة الأميركية الحالية الذي يعتبر ممثلها في الأمم المتحدة جون بولتون من المؤيدين المتحمسين لغزو العراق والنقاد الدائمين للمنظمة الدولية. وتنبغي الإشارة أيضاً إلى أن التقرير يمثل تحدياً مباشراً للفكرة القائلة بأن "صراع الحضارات" قد أصبح أمراً وشيكا. ففي بيان له أعلن السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي أنان أنه من الواضح أن الدين ليس هو السبب الأساس في التوترات الحالية وأوضح ذلك بقوله: "إن المشكلة ليست في القرآن ولا في الإنجيل ولا في التوراة وإنما المشكلة في المؤمنين بهذه الأديان وكيف يتصرفون تجاه بعضهم بعضا". وهذا الرأي وجد صدى في افتتاحية مطبوعة "هوستون كورنيكل" يوم الأحد الماضي، التي اشترك في كتابتها ثلاثة من محرري التقرير موضوع البحث، وهم القس "ديزموند توتو"، ورئيس خارجية إندونيسيا السابق "على العطاس"، و"أندريه أزولاي" مستشار الملك محمد الخامس الذين أوضحوا أن القمع السياسي في العالم الإسلامي كان سبباً من أسباب ظهور التطرف. وجاء في تلك الافتتاحية أيضاً:"إن حرمان حركات المعارضة السلمية من حرية التعبير عن آرائها وحسب مؤيديها يؤدي إلى ظهور الغضب والامتعاض ويشجع البعض على الانضمام لمجموعات العنف" وحسب التقرير فإنه "عندما تأتي بعض الحكومات الغربية بعد ذلك وتقدم الدعم إن بشكل ضمني أو علني- للأنظمة السلطوية فإنها تصبح جزءاً من المشكلة". الهدف النهائي للتقرير هو بيان أن المشكلات القائمة بين المسلمين والغرب ترجع لأسباب سياسية وليست اقتصادية، وإن الغضب وسوء الفهم يرجعان إلى حد كبير إلى نقص التعليم، وأن الأمر بالتالي يستدعي نظماً تعليمية توفر "فهماً أساسياً للتقاليد الدينية الخاصة بالآخرين". وأشار التقرير في هذا السياق إلى أنه قد تبين من خلال مسح تم إجراؤه أن 30 في المئة من الأموال الأميركية التي يتم استثمارها في التبادل الثقافي، تذهب إلى برامج للتبادل الثقافي مع الدول الأوروبية التي يوجد بينها وبين الولايات المتحدة الكثير من الأشياء المشتركة، في حين لا تزيد نسبة الأموال التي تذهب لدعم برامج التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط عن 6 في المئة على الرغم من حقيقة أن ذهاب معظم تلك الأموال لدعم التبادل الثقافي مع دول الشرق الأوسط هو الذي يمكن أن يحقق معظم الفائدة المرجوة. ويتضمن التقرير في نهايته مجموعة من التوصيات المحددة الموجهة للمجتمع الدولي ومنها على سبيل المثال: إن المجتمع الدولي يجب أن يقوم بإعداد مسودة ورقة بيضاء لتحليل الصراع العربي- الإسرائيلي. ضرورة عقد مؤتمر دولي لتنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط. قيام الأحزاب الحاكمة في الدول الإسلامية بمنح المجموعات السياسية السلمية فرصة المشاركة. أن يتصرف قادة الرأي ومن يقومون بصياغته بطريقة مسؤولة وأن يعملوا سويا من أجل تعزيز الفهم بين الثقافات. أن تقوم الولايات المتحدة بتعيين ممثل للمساعدة في نزع فتيل التوتر بين الثقافات المختلفة. أن تعمل الأمم المتحدة على تأسيس منتدى لتحالف الحضارات يعمل تحت رعايتها. أن تعمل الرسالة الإعلامية على الدعوة للحوار بين الحضارات. ضرورة مراجعة المواد التعليمية وبرامج محو الأمية في المدارس لعملية مراجعة شاملة. ضرورة قيام الحكومات بزيادة برامج التبادل الشبابي وزيادة عدد مواقع الوب الموجهة لفئة الشباب وأن يعمل المجتمع الدولي على إعداد برامج إعلامية تهدف إلى محاربة التفرقة والتمييز. دان مورفي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل كريستيان ساينس مونيتور- القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور