عندما توجه 3000 جندي بريطاني في مايو الماضي لقيادة الجهود الرامية لتأمين المحافظات الجنوبية المتمردة في أفغانستان، قالت الحكومة البريطانية حينئذ إن تلك القوات مُكلفة بتنفيذ مهمة ستستغرق ثلاثة أعوام ولن تضطر خلالها إلى إطلاق رصاصة واحدة. ومنذ ذلك الوقت، فإن عدد الجنود البريطانيين الذين لقوا مصرعهم في أفغانستان فاق عددهم في العراق وذلك بسبب ضراوة العمليات القتالية التي انخرطت فيها تلك القوات، والتي يقول الخبراء البريطانيون إنها الأعنف منذ خمسين عاماً. في الوقت نفسه، تعرضت القوات الكندية لنسبة من الخسائر تفوق نسبتها لدى القوات البريطانية والأميركية أو أية قوات أخرى مشاركة في حلف "الناتو" (إذا ما أخذنا عدد السكان في الحسبان). وبريطانيا وكندا أصبحتا تدركان بشكل متزايد أن المهمة التي تضطلعان بتنفيذها في مقاطعتي هلمند وقندهار أصعب وأشرس وبالتالي ستكون أطول مما كان مقدراً. وتعليقاً على ذلك يقول "مارك لانكستر" عضو البرلمان البريطاني، والذي خدم لمدة 8 أسابيع في مقاطعة "هلمند" هذا الصيف إن بريطانيا لو أرادت تحقيق الأهداف، التي انطلقت من أجل تحقيقها في الأصل "فإن الأمر سيستدعي منها البقاء لمدة 15 أو 20 عاماً كاملة في أفغانستان". والتصاعد الدراماتيكي في حدة الصراع في المنطقة، يرهق قوات "الناتو"، التي تتطلع إلى قيادة عمليات حفظ الأمن في أفغانستان ويؤثر تأثيراً حاداً على نسبة المواطنين البريطانيين والكنديين المؤيدين للمهمة التي تضلع بها قوات بلديهم في أفغانستان والتي انخفضت إلى ما دون الخمسين في المئة. عندما بدأت تلك المهمة، قيل وقتها إنها ستكون عملية لـ"إعادة البناء وتحقيق الاستقرار"، وإن الغرض منها مساعدة حكومة كابول على مد نفوذها إلى المناطق الخارجة عن القانون في الجنوب بالإضافة إلى محاربة زراعة نبات زهرة الخشخاش الذي يشكل عماد تجارة الهيرويين. ولكن المقاومة التي يقول القادة العسكريون إنها كانت أعنف مما كان متوقعاً، وقيام "طالبان" بإعادة تجميع صفوفها، والأراضي الشاسعة والوعرة في البلاد، أرغمت البلدين على إجراء تعديل على مهمتيهما اللتين تختلفان فيما بينهما من حيث الطبيعة والنطاق. ولتوضيح هذه النقطة يقول "وولستينكروفت"، المدير المشارك لمؤسسة "استراتيجيك كونسل" المتخصصة في استطلاعات الرأي ومقرها تورنتو: "لمدة 40 سنة متواصلة، كنا ننظر إلى القوات الكندية التي تعمل في الخارج على أنها قوات تضطلع بعمليات حفظ سلام محضة، أما الآن فإنها تضطلع بمهمة حفظ سلام مع التركيز على الحرب"! ومع هذا التحول في بؤرة تركيز القوات الكندية، كان من الطبيعي أن تتعرض إلى المزيد من الخسائر حيث لقي 42 جندياً كندياً مصرعهم في أفغانستان، في حين بلغ عدد الجنود البريطانيين الذين لقوا مصرعهم منذ شهر مايو الماضي فقط 32 جندياً. وقد أثارت أرقام الخسائر البشرية هذه قدراً كبيراً من الجدل في الشهور الأخيرة على جانبي الأطلسي على الرغم من أن مهمة الجيشين في أفغانستان لا تزال ينظر إليها على أنها أكثر مصداقية وأسهل تبريراً من مهمة الحلفاء الذين تقودهم أميركا في العراق. وقد وصل الدعم الشعبي في كندا لمهمة أفغانستان إلى نسبة منخفضة بلغت 37 في المئة في منتصف الصيف ثم عادت لترتفع مرة ثانية إلى 44 في المئة، وذلك بعد أن ركزت الحكومة المحافظة الجديدة في كندا على جهود إعادة الإعمار في المقام الأول. يذكر أن بريطانيا التي تضاعف عدد قواتها في أفغانستان من 3000 إلى 6000 جندي، وكندا التي نشرت في ذلك البلد 2,200 جندي، مُصرتان على طلب تعزيزات من الجنود من بقية دول "الناتو"، وذلك بغرض احتلال مواقع في الخطوط الأمامية من جبهة القتال، دون أن تلقيا آذاناً صاغية. ومن المتوقع أن يتصدر هذا الموضوع جدول أعمال قمة "الناتو" في مدينة "ريجا" عاصمة جمهورية لاتفيا، التي ستعقد في نهاية نوفمبر الجاري. والحقيقة أن بريطانيا غير قادرة في الواقع على توفير المزيد من الجنود على الأرض حيث يوجد لها 7000 جندي في العراق بالإضافة إلى مفارز في البلقان وأيرلندا الشمالية، مما دعا القادة العسكريين البريطانيين إلى التحذير من مد هذه القوات على خطوط أطول مما يجب. وعلى الرغم من أن ذلك لا ينطبق على كندا، فإن هناك قدراً من العصبية يسودها حالياً، جراء الخوف من التورط في مستنقع أفغاني، خصوصاً بعد أن أدلى نائب قائد ما يعرف بجناح المساعدة الدولية الذي يضطلع بأمور التدريب العسكري للقوات الأفغانية بتصريح قال فيه: "إن الأمر قد يستغرق 10 سنوات قبل أن تصبح القوات الأفغانية جاهزة للإضلاع بمسؤولية حماية الأمن القومي دون مساعدة من قوات أجنبية". وحول هذه النقطة يقول "ديزموند مورتون" أستاذ التاريخ العسكري في جامعة "مونتريال ماكجيل": "إن الكنديين يتساءلون متى ينتهي ذلك ولكنهم لا يتلقون إجابة من أحد... لقد تفتحت أعينهم على حقائق جديدة منها أن عمليات حفظ السلام ليست عمليات لطيفة كما كانوا يعتقدون، وأن قواتهم ليست رائعة واستثنائية كما كانوا يعتقدون أيضاً". ومن المتوقع أن تخف حدة القتال بسبب مقدم موسم الشتاء القارس البرودة في أفغانستان، وبسبب حاجة "طالبان" التي عانت من الكثير من الاستنزاف خلال الشهور الأربعة أو الخمسة الماضية إلى مهلة تنظم فيها صفوفها، بيد أن الاختبار الحقيقي -كما يقول الخبراء- سيأتي في شهر مارس أو أبريل القادم عندما يبدأ موسم القتال من جديد. وهو ما يستدعي الانتظار لرؤية كيف ستمضي الأمور في ذلك الوقت. مارك رايس- أوكسلي وربيكا كوك ديوب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلا "كريستيان ساينس مونيتور" في لندن وتورنتو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"