تحتفظ إيران ببرنامج نووي باهظ التكلفة، في الوقت الذي تقوم فيه بإنفاق الملايين لدعم كل شيء تقريباً بدءاً من الشقق وحتى المحروقات. أما روسيا فهي تتحدى المطالب الدولية الداعية لتخليها عن احتكار خطوط أنابيب النفط التي تغذي أوروبا بهذه المادة، وفنزويلا تقوم بإرسال المساعدات إلى دول تقع في مختلف أنحاء العالم من أجل تعزيز نفوذها. الشيء المشترك بين هذه الدول الثلاث أن خزائنها ممتلئة بعوائد النفط الذي ارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية، فالزيادة في أسعار النفط هي إذن العامل المشترك بين بعض الدول التي تعتبر الأكثر عداءً للسياسات الخارجية الأميركية. ومن وجهة النظر الأميركية، فإن أسعار النفط تستخدم من قبل تلك الدول في دعم سياساتها المتحدية للولايات المتحدة الأميركية في سلسلة من القضايا، بما في ذلك عدم الانتشار النووي وحقوق الإنسان. يذكر أن أسعار النفط الحالية تعادل ضعف معدلها منذ خمس سنوات. ومع تزايد الطلب الأميركي على النفط وتوسع الاستهلاك الصيني والهندي منه فإن معظم المحللين يتنبأون بأن أن تلك الأسعار ستظل مرتفعة في المستقبل المنظور. وفي الحقيقة أن ارتفاع أسعار النفط أتاح للدول المناوئة لأميركا قدراً من حرية الحركة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والسياسية بصورة لم تحدث من قبل. وبعض خبراء الطاقة يلومون الإدارة الأميركية لعدم قيامها بانتهاج السياسات اللازمة لمواجهة ارتفاع أسعار النفط، وهو ما أدى إلى التأثير سلباً على قدرتها على تحقيق أهداف سياساتها الخارجية وضمان أمنها القومي، كما ينتقدون عدم إقدامها على انتهاج السياسات التي كان يمكن أن تؤدي إلى تخفيض استهلاك الولايات المتحدة من البنزين وغيره من المنتجات النفطية. يقول "ريتشارد آلان" مستشار الأمن القومي للرئيس ريجان في مقابلة أجريت معه تعليقاً على ذلك: "إن الصلة بين السلطة السياسية وأموال النفط معروفة وتم التدليل على وجودها منذ وقت طويل... فعندما تقترن الأموال المحصلة من بيع المصادر الطبيعية بالسلطة السياسية ذات النوايا السيئة، فإن ذلك يكون له تأثير على علاقات أميركا ومصالحها في العالم". وإيران تقدم مثالاً بارزاً على ذلك، فمداخيل هذه الدولة من النفط وصلت العام الماضي إلى 55 مليار دولار (تشير التقديرات إلى أن مداخيل إيران التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك خلال السنوات الخمس الماضية قد وصلت إلى 300 مليار دولار). وهذه المداخيل الضخمة أتاحت لإيران زيادة ميزانيتها الدفاعية التي وصلت العام الماضي إلى 6.2 مليار دولار كما مكنتها من الاستمرار في دعم "حزب الله"، اللبناني بمبلغ 100 مليون دولار سنوياً تقول مصادر أميركية إن الحزب يستخدمها في شراء أسلحة وصواريخ مثل تلك التي أطلقها على إسرائيل. ويقول المسؤولين الأميركيون أيضاً إن إيران استخدمت مداخيلها العالية من تصدير النفط في ضخ أموال للمليشيات الشيعية العاملة في جنوب العراق، وفي تقديم ملايين الدولارات لحركة "حماس" الفلسطينية. كما أن تلك المداخيل -وهذا هو الأهم- قد دعمت برنامج إيران النووي، وهو ما قلص في الوقت نفسه من فرصة أن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى جعل الإيرانيين ينقلبون على حكومتهم. وتُعد روسيا هي المثال البارز الثاني على الدول، التي تمثل مشكلة للولايات المتحدة. وتشير التوقعات إلى أن دخل روسيا من تصدير النفط هذا العام قد يصل إلى 110 مليارات دولار، بالإضافة إلى مداخيل أخرى ضخمة، تتحصل عليها من خلال تزويد أوروبا بربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وهذه المداخيل الضخمة ساعدت روسيا على دفع ديونها الخارجية وعلى شراء العديد من مصالحها النفطية التي كانت قد أصبحت تحت سيطرة مستثمرين أجانب. كما استخدمتها أيضاً في إعادة بناء قوتها العسكرية، وساعدتها كذلك على تحدي الولايات المتحدة في كل قضية تقريباً من قضايا السياسة الخارجية. فكما يقول "ديمتري أوريشكين" كبير المحللين في معهد الجغرافيا في الأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو، فإن: "تلك الأموال ساعدت روسيا على تعزيز نفوذها وعلى التصرف بهذه الثقة في مجال السياسة الخارجية، وأن الأمر المؤكد هو أنها كانت ستتصرف بشكل أكثر حرصاً في مجال السياسة الخارجية، لو أنها كانت لا تزال في حاجة للمساعدات الغربية". أما الدولة الثالثة التي ساعدتها المداخيل العالية من النفط على تحدي سياسات الولايات المتحدة ومصالحها، فهي فنزويلا التي يتوقع أن تبلغ مداخيلها من النفط هذا العام 37 مليار دولار. وقد حاولت فنزويلا أن تستخدم مداخيل النفط في تعزيز نفوذها الخارجي، ومنها محاولة غير ناجحة للحصول على مقعد في مجلس الأمن. ولم يكن هذا هو الحال من قبل. فعندما كانت أسعار النفط منخفضة، فإن الرئيس الحالي "هوجو شافيز" لم يتردد في قبول قرض من صندوق النقد الدولي، كما كان يتبنى آراء معتدلة فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه بلاده على المسرح الدولي، عكس ما هو سائد الآن. ويقول فرانسيسكو مونالدي المنسق الأكاديمي في المركز الدولي للطاقة والتنمية في العاصمة الفنزويلية كاراكاس: "إنني أعتقد أن التجربة الفنزويلية تحت حكم شافيز، تقدم مثالاً مدهشاً على الطريقة التي يمكن بها استخدام مداخيل النفط في تغيير مركز الدولة ومكانتها على الساحة الدولية". ولكنه يذهب مع ذلك إلى القول "إن الدول التي تسعى إلى ذلك وتقوم بتوسيع اقتصادها تعاني من تأثير عكسي إذا ما هبطت أسعار النفط فيما بعد، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن تلك الدول تكون قد تعودت على البذخ في الإنفاق، وأصبحت غير قادرة على العودة إلى مستويات الصرف السابقة". ليس هذا فحسب بل إن بعض المحللين المتخصصين، يتنبأون بأن انخفاض أسعار النفط بشكل حاد، يمكن أن يكون سبباً في مشاكل تفوق تلك التي تنتج عن ارتفاعها. كيم مورفي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "لوس أنجلوس تايمز" في لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"