لا تخطئ عين المراقب الموضوعي للأحداث الحيادية الغائبة في التقرير الأخير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، إذ إن معظم النقاط التي وردت بالتقرير لا تكاد تصمد أمام أي تفنيد موضوعي لمجريات ملف العمالة الوافدة بدولة الإمارات. دولة الإمارات لا تتعامل مع الانتقادات بتشنّج، ولا تنكر حدوث انتهاكات وتجاوزات في العلاقة بين العمالة الوافدة وأصحاب العمل في الشركات الخاصة، فتلك مسألة تقليدية ولكنها تبقى محصورة ومعزولة، ناهيك عن أن مَن تابع الإجراءات التي اتبعتها السلطات الحكومية في السنتين الأخيرتين، على وجه التحديد، يدرك بسهولة أن هناك نية صادقة في القضاء على هذه التجاوزات، وفي بناء علاقة مؤسسية شفافة تتناسب مع الصورة الحضارية للدولة، ومع ما حققته الإمارات خلال السنوات الأخيرة من إنجازات تنموية. الأمر المزعج في تقرير المنظمة، أنه يتجاهل الخطوات والقرارات التي اتخذتها وزارة العمل الإماراتية، طيلة السنوات الماضية، في سياق التصدي للخروقات، ويزعم أن الحكومة "لا تكاد تفعل شيئاً من أجل وقف الانتهاكات الجسيمة التي يتعرّض لها العمال على أيدي أصحاب العمل"! كما أن المنظمة لم تراعِ حزمة القرارات والتعليمات غير المسبوقة التي أصدرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بخصوص تنظيم شؤون العمالة الوافدة، واكتفت في متابعتها لهذه الخطوات الصارمة في لهجتها، والجادّة في تصدّيها للخروقات، بأن عبّرت عن نيتها ألا تلقى هذه "الوعود(!) المصير ذاته الذي آلت إليه وعود لم تتحقق، بإضفاء صبغة شرعية على نقابات العمال"! المنظمة وخبراؤها هنا يبدون خارج سياق الفهم التام لبيئة العمل في الدولة، ويتعاملون بالقطعة مع متغيرات ملف غير مقطوع الصلة بملفات أخرى، رغم أن فهم ما يحدث، والتنبؤ بأجواء المرحلة المقبلة، يتطلبان استيعاباً كاملاً للسياسة الإماراتية بشكل متكامل وتجاه مختلف القضايا والموضوعات المطروحة على بساط البحث والنقاش. المقصود هنا تحديداً أنه يصعب فهم واستيعاب جدية التصدي للخروقات من دون متابعة النجاح الذي حققته الدولة في القضاء على خروقات في ملفات موازية مثل ملف "الركبية"، الذي عولج بشكل صارم، وقوبل بمديح وإشادة من المنظمات الدولية المتخصصة، كما أن هناك اتجاهاً عاماً يلحظه أي مراقب بشأن فتح الملفات الشائكة بواقعية وشفافية، والتعامل معها من خلال حلول جذرية للقضاء على هذه الإشكاليات التي تشوه -رغم محدوديتها- النموذج التنموي الذي يتكرس يوماً بعد آخر مثيراً لإعجاب العالم أجمع. والرسالة المشتركة في ذلك كله، أن الدولة بصدد اجتثاث أية مظاهر أو ممارسات سلبية من شأنها الإساءة للصورة الإيجابية التي تعكسها مختلف قطاعات التنمية. وبالتالي فإن تصنيف حزمة التعليمات والقرارات الأخيرة تحت بند "الوعود" هو نوع من تجاهل الحقائق، ولاسيما أن التعليمات سبقت تقرير المنظمة ولم تأتِ استجابة لضغوط ما، بقدر ما جاءت لتوفر غطاء دعم سياسي رادع وقوي لعمل التنفيذيين في الجهات الحكومية المعنية، ولتؤكد للجميع جدية القيادة السياسية في التصدي لأي خروقات عمالية، وهي الرسالة التي كان ينبغي على خبراء المنظمة فهمها واستيعابها، كي تضمن شفافية التقرير. لا أحد بالطبع ينفي حدوث تجاوزات عمالية، ولكن من الصعب بالمقابل التشكيك في جديّة نوايا الدولة في التصدّي لمثل هذه الخروقات والتجاوزات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية