لاشك أننا نواجه معضلة فكرية وأخلاقية وسياسية، نحن العرب البعيدين جغرافياً عن إيران. أبعاد المعضلة تتمثل أولاً في أن بعدنا الجغرافي قد حجب عنا وجاهة ومشروعية المخاوف الأمنية التي قد يستشعرها أشقاؤنا العرب في الخليج حيال احتمال امتلاك إيران السلاح النووي. إنها مخاوف تنبع من فائض القوة الذي ينتج عادة من امتلاك هذا السلاح والذي يدعو الطرف الذي يحوزه، إلى السعي إلى فرض نفوذة السياسي على الإقليم المجاور له في الحد الأدنى، أو يدفعه إلى العمل على التوسع الجغرافي في الحد الأقصى. وبما أن البعد الأيديولوجي في نظام الثورة الإيرانية يحتل مكانة مهمة في سياسات إيران الخارجية سواء في مجال نشر أفكار النظام أو الترويج للطبيعة المذهبية الشيعية له، فإن مخاوف الأشقاء في الخليج تزداد وضوحاً من أن يؤدي فائض القوة الناتج عن امتلاك إيران للسلاح النووي إلى ترجمة هذا الفائض، في محاولة بسط الهيمنة السياسية أو نشر وتعزيز النفوذ الأيديولوجي الإيراني في دول الخليج بما يهدد سلامة وسيادة هذه الدول. البعد الثاني في المعضلة التي تواجهنا، يتمثل في قربنا نحن العرب غير الخليجيين، من مصدر الخطر الإسرائيلي جغرافياً، واستشعارنا عن قرب لناتج سياسات فائض القوة الإسرائيلية من مجازر وإذلال يومي لشعبنا في فلسطين، وكذلك إدراكنا لحقيقة أن فائض القوة الإسرائيلي، نابع من امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية من ناحية، بقدر ما هو نابع من الدعم الأميركي غير المشروط لسياسات العدوان الإسرائيلية. إن هذا البعد يدفعنا بالضرورة في غياب نظام عربي موحد وقادر على مواجهة التوسع الجغرافي الإسرائيلي ومرفقاته العدوانية، إلى النظر إلى احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي باعتباره احتمالاً يصب في خانة المواجهة الاستراتيجية للتهديدات والمخاطر الإسرائيلية، وباعتباره سنداً عاطفياً على الأقل. هكذا نجد أنفسنا نحن العرب غير الخليجيين، في معضلة فكرية وأخلاقية وسياسية، فمن ناحية نجابه التزامنا الطبيعي كعرب بضرورة الالتحام بمقتضيات واعتبارات أمن أشقائنا في الخليج، وهو التزام يمثل عقيدة راسخة إن لم نقل إنه يمثل غريزة عاطفية وإدراكية تدفع العربي إلى الاصطفاف في خندق أخيه سواء كان موقع هذا الأخ الجغرافي قريباً أم بعيداً. إن اصطفافنا في خندق المخاوف الأمنية الخليجية شأنه شأن اصطفافنا بدول الطوق المحيطة بإسرائيل، في خندق المخاوف والآلام الفلسطينية. هو عقيدة فكرية وهو غريزة عاطفية بغض النظر عن مصدر الخطر والتهديد. أضف إلى ذلك أن أشقاءنا في الخليج رغم بعدهم الجغرافي عن الخطر الإسرائيلي، لم يترددوا في أي مرحلة من مراحل الصراع في الاصطفاف في خندق دول المواجهة والطوق. وما زلت، كأحد أبناء الجيل المصري الذي خاض معركة أكتوبر 1973، وهي المعركة الظافرة الاستراتيجية الكبرى على إسرائيل، أذكر ونتذكر أشكال الدعم المادي والسياسي واللوجستي بصفقات السلاح، والاقتصادي بسلاح النفط، التي قدمها الأشقاء في الخليج للجيشين المصري والسوري، والتي بدونها ما كان سيتحقق النصر. نحن هنا إذن أمام مديونية أخوية، إنه ديْن علينا للأشقاء لم يطالبوننا يوماً بسداده، لكن الالتزام الأخوي يجب أن يكون دافعنا للسداد والوفاء بالدين في الوقت المناسب حتى لو طبقنا المثل الشعبي "أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". نحن في حاجة إلى حلقات نقاش بالإضافة إلى النقاش المفتوح، بهدف التوصل إلى أفكار إبداعية تضمن إقناع الإيرانيين بإدراك طبيعة المخاوف الأمنية لدى أشقائنا في الخليج وتقديم كافة الضمانات لإزالة أسباب هذه المخاوف كلياً، ذلك أن الطريق الأمثل لضمان أمن أشقائنا لا يتمثل في الصدام مع إيران. السؤال: هل يمكننا نحن عرب الطوق، أن نتحول إلى جسر للحوار السلمي البنَّاء مع إيران لضمان أمن الأشقاء؟