هل من الممكن أن يصبح العلاج أكثر خطراً من المرض؟ وهل من الأفضل الانتظار والمراقبة فقط في بعض الحالات، بدلاً من القيام بالتدخل الطبي أو الجراحي الفوري؟ هذه الأسئلة تحمل أهمية خاصة، عندما يتعلق الموضوع بسرطان غدة البروستاتا لدى الرجال. فحسب دراسة صدرت مؤخراً عن كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية، ونشرت في الدورية الطبية المرموقة (Journal of Clinical Oncology)، اكتشف الباحثون أن نوعاً من العلاج واسع الاستخدام في حالات سرطان البروستاتا، يزيد من احتمالات الإصابة بداء السكري وبأمراض القلب والشرايين. هذه النتيجة تم التوصل إليها، بناء على حقيقة مفادها أنه على رغم أن المصابين بسرطان البروستاتا يتمتعون بنسبة مرتفعة من البقاء على قيد الحياة بعد خمسة أعوام من تشخيص المرض -مقارنة بأنواع السرطان الأخرى- إلا أن معدلات الوفيات بينهم أعلى بكثير من معدلات الوفيات بين أقرانهم. وهو ما يعني أن مرضى سرطان البروستاتا لا يلقون حتفهم بسبب المرض، وإن كانوا يلقون حتفهم من جراء أسباب أخرى. هذا التناقض فسرته الدراسة الأخيرة، بأنه نتيجة العلاج الهرموني، واسع الاستخدام في حالات سرطان البروستاتا. حيث يؤدي هذا النوع من العلاج، إلى زيادة احتمالات الإصابة بأمراض أخرى خطيرة، مثل السكري وأمراض القلب والشرايين. وبوجه عام يعتبر سرطان البروستاتا، من أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً على الإطلاق، وخصوصاً في الدول الصناعية بين الرجال المتقدمين في السن، حيث يعتبر سبباً رئيسياً للوفيات في تلك الدول. فمثلاً في الولايات المتحدة، يحتل سرطان البروستاتا المركز الثاني في قائمة أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً، بعد سرطان الجلد الذي يحتل رأس القائمة. فمن بين جميع أنواع وأشكال الأمراض السرطانية التي تشخص سنوياً بين الرجال الأميركيين، يستحوذ سرطان البروستاتا وحده على أكثر من ربع تلك الحالات. وهو ما يعني أنه من بين كل أربع حالات يتم تشخيص إصابتها بنوع أو بآخر من السرطان، يستحوذ سرطان البروستاتا على واحدة منها. ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية، حيث يعتبر سرطان البروستاتا أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً على الإطلاق بين البريطانيين، والسبب الثاني للوفيات من بين جميع أنواع الأمراض السرطانية. ولا يدرك الأطباء حتى الآن، السبب المباشر خلف الإصابة بسرطان البروستاتا، وبالتحديد لماذا يصاب به بعض الرجال دون الآخرين. ولذا يدرس الباحثون حالياً، بعض الاحتمالات، التي يمكن أن تصنف تحت طائفة عوامل الخطر المؤدية لاحقاً إلى الإصابة. وتتعدد وتتنوع أشكال وأساليب علاج سرطان البروستاتا بشكل كبير، لتتضمن ضمن ما تتضمن: الجراحة، والعلاج بالإشعاع، والعلاج باستخدام الموجات فوق الصوتية، والعلاج الكيميائي، والعلاج بالتبريد، بالإضافة إلى العلاج بالهرمونات، أو مزيج من بعض ما سبق. ويتم اختيار أسلوب العلاج حسب المرحلة التي وصل إليها المرض، وبناء على بعض القياسات والتحاليل المتخصصة. ويعتمد أسلوب العلاج الهرموني على منع الخلايا السرطانية من الحصول على هرمون خاص تنتجه البروستاتا في الأساس، وتحتاجه هذه الخلايا كي تستمر في النمو والانتشار. وأحياناً أيضاً ما يؤدي حرمان الخلايا السرطانية من هذا الهرمون، إلى انكماشها وتراجع نموها. ولكن للأسف، نادراً ما ينجح العلاج الهرموني في التخلص من المرض وتحقيق الشفاء التام، بسبب أن الخلايا التي تستجيب له في البداية، تفقد حساسيتها بعد مرور عام أو عامين من العلاج. ولذا يقتصر استخدام هذا الأسلوب، على الحالات التي انتشر فيها المرض خارج البروستاتا، وأصبح بعيد المنال عن طرق العلاج الأخرى، مثل الجراحة أو العلاج بالأشعة أو الموجات الصوتية، أو أن يستخدم العلاج الهرموني مصحوباً بأساليب العلاج الأخرى، لمنع حدوث انتكاسة وعودة المرض. ولكن تكمن المشكلة في العلاج الهرموني، في أنه يسبب زيادة الوزن، ومن ثم الإصابة بالسمنة، وبتوليده للحالة المعروفة بمقاومة الأنسولين، وكلاهما حالتان معروف عنها زيادتها لاحتمالات الإصابة بالسكري. وهو ما أكدته الدراسة الصادرة عن كلية طب "هارفارد" مؤخراً. حيث ظهر بتحليل نتائج الدراسة أن الأشخاص الذين يتلقون العلاج الهرموني، تزداد لديهم احتمالات الإصابة بداء السكري بنسبة 44%، وتزداد أيضاً احتمالات تعرضهم لأمراض القلب والشرايين بنسبة 16%، مقارنة بمرضى سرطان البروستاتا، الذين لا يتلقون هذا النوع من العلاج. وهو ربما ما يفسر الملاحظة السابقة، المتعلقة بارتفاع معدل الوفيات بين مرضى سرطان البروستاتا مقارنة بأقرانهم، لأسباب أخرى غير السرطان في حد ذاته. فما كان يحدث، هو أن الأطباء في محاولتهم لوقف انتشار المرض والتخلص منه باستخدام العلاج الهرموني، كانوا يتسببون في إصابة المرضى بأمراض أخرى خطيرة تودي بحياتهم. ولذا يصبح من الضروري على الأطباء، التفكير مرتين قبل اللجوء للعلاج الهرموني، وخصوصاً في الحالات، التي لم تظهر فيها الدراسات فائدة واضحة وجلية. وحتى في الحالات التي ثبتت فيها أهمية العلاج الهرموني، فلابد من مناقشة الأمر مع المريض، وإطلاعه على المخاطر التي سيتعرض لها من جراء هذا النوع من العلاج. مع ضرورة اللجوء إلى إجراءات وتدابير، تخفض من احتمالات الإصابة بالسكري مثل خفض الوزن وممارسة الرياضة، أو تلك التي تخفض من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل الامتناع عن التدخين ومراقبة ضغط الدم ومستوى الدهون، وحتى لا يتحول الدواء إلى داء. د. أكمل عبد الحكيم