التقينا بدعوة كريمة من صحيفتنا "الاتحاد" كتاباً ومثقفين بعيداً عن الرسميات والتكلف للتعارف والتقارب والتصارح وتبادل الآراء والأفكار. التقينا ككتاب ومفكرين عرب من المحيط والخليج ومن عرب المهجر. اجتمعنا في عاصمة الإمارات العربية المتحدةأبوظبي على مدى يوم عمل طويل وممتع لمناقشة وتبادل الأفكار والرؤى حول موضوع مهم وخطير في آن: "تأثير المشروع النووي الإيراني على المنطقة". بأبعاده المتعددة من السياسي والأمني والإيديولوجي والاقتصادي. وأعتقد أن القائمين على الدعوة تركوا أمر كلمة "المنطقة" مبهماً لتشمل ليس الخليج ولكن أبعد منه ليشمل المعنى منطقة الشرق الأوسط برمته. أتى اللقاء في ظروف وتطورات متلاحقة تعصف بمنطقتنا وخاصة في خليجنا المضطرب، وكانت في الأفق تطورات عديدة من الحكم بإعدام صدام حسين إلى الفوز الساحق لـ"الديمقراطيين" في الانتخابات النصفية الاميركية. هذا مع تصاعد النفوذ وسياسة حافة الهاوية التي توظفها إيران لخدمة أجندتها لملء الفراغ الذي تركه إسقاط نظامي صدام حسين و"طالبان"، بانتظار الصفقة الكبرى بين طهران وواشنطن، خاصة وقد عبَّر العديد من المشاركين عن قلقهم من أزمة الثقة والغطرسة والتخبط عبْر السياسات الخاطئة التي باتت سمة للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، حيث زادت فرص تلك الصفقة التي ستكون على حسابنا كعرب مع وصول "الديمقراطيين"، حيث قد تستجيب للمطالب الإيرانية نحو دور ونفوذ في المنطقة مقابل تجميد المشروع النووي الإيراني. وحيث إن إيران لا تقنع سوى قليلين عن الحاجة إليه، فالهدف غير المعلن للبرنامج النووي الإيراني هو للمزيد من الهيمنة والنفوذ وإبقاء النظام والمقايضة لخدمة الأهداف الخفية التي تجعل من إيران اللاعب الأهم والأقوى في المنطقة في العقد القادم. هذا ما يؤكده المفكرون الاستراتيجيون مثل ريتشارد هاس. وهذا ما أكدته الأوراق التي قدمها الإخوة، والأخت عائشة المري، حيث سعدت بالتعقيب على ورقتها. وسعدت أكثر وأنا أسمع، وأن يسمع الإخوة في الإمارات والمشاركون من دول مجلس التعاون الخليجي -ونحن منهم- الموقف المشترك لنا جميعاً، والإجماع حول القلق المبرر من البرنامج النووي الإيراني وخطورته ليس فقط على منطقة الخليج العربي، ولكن على الأمن القومي العربي برمته. ولو لم خرج المنتدى والحوار والنقاشات التي تمت بيننا كمثقفين عرب سوى إنجاز واحد ونتيجة ملموسة وهي مشاركة واقتناع العديد من الإخوة العرب المشاركين في المنتدى، ومشاركتهم لنا هواجسنا كما عبروا لنا علناً أن رسالة القلق قد وصلتهم، لكفاه ذلك من إنجاز ونتيجة. فما بالك بأن الحصيلة كانت أكبر وأشمل وأبعد. هذا بعد أن دأب العديد من المثقفين العرب في لقاءاتنا ومنتدياتنا ومقابلاتنا التلفزيونية بالدفاع عن إيران نصيرة العرب وقضاياهم، حيث لا يرون إلا بعين إيرانية، وينظرون إلينا من على بعد آلاف الأميال، وينبرون للدفاع عن البرنامج النووي الإيراني كرهاً لأميركا، وبحجة التوازن مع إسرائيل. ويخوننا بعض آخر ويتهمنا مثلما كان حال الملحق الإعلامي الإيراني في الكويت وما كاله من اتهامات للكتاب الكويتيين الذين ينتقدون إيران، بأنهم يكررون مقولة أولمرت للظفر بكتب شكر من سفارة دولة عظمى! سعدنا باللقاء والتعارف. تعرفنا على كتاب كبار نقرأ لهم ونعجب بطرحهم ونتفق أو نختلف مع أطروحاتهم، وخاصة أن كتاب "وجهات نظر" يأتون من خلفيات متفاوتة، وينتمون إلى مدارس فكرية متعددة مما يكسب صفحات "وجهات نظر" غزارة في التنوع وتعددية في الطرح والفكر. نأمل أن يسن هذا اللقاء سُنة حميدة وأن يتكرر عاماً بعد عام عبر حشد القدرات والتباحث للتصدي للقضايا وللتحديات التي تعصف بمنطقتنا المأزومة. أخيراً، كلمة شكر وتقدير لـ"الاتحاد" وللقائمين على "وجهات نظر" لاجتهادهم وللفكرة وللقاء، وكلمة تقدير وشكر لمن شارك وقدم ووضح. لقد خرجنا من المنتدى ونحن أقرب لجيراننا على صفحات "وجهات نظر" وبفهم أعم وأشمل، وللأسف بقلق أكبر من الموضوع الذي ناقشناه.