إننا ندير ديمقراطيتنا إما عن طريق القيادة أو بواسطة الأزمات. وفي يوم الثلاثاء الماضي، بعث الناخبون الأميركيون برسالة واضحة، عبروا فيها عن يأسهم من الحكم بواسطة الأزمات. ولذلك فقد كان انتخابهم لـ"الديمقراطيين" في مجلسي "النواب" و"الشيوخ"، تعبيراً عن رغبتهم في أن يحكم هؤلاء، وليس أن يطيلوا أمد الاحتقان السياسي. فهناك من يؤمن بأن أفضل استراتيجية سياسية يتبناها "الديمقراطيون" لعام 2008، هي الاستمرار في مواجهتهم للرئيس بوش، والختم على إدارته بـ"دمغة" الفشل الرئاسي. غير أن الخطر في هذه الاستراتيجية، يكمن في أنه وفيما لو اختزل الحزب "الديمقراطي" إلى مجرد عقبة أمام الرئيس بوش وحزبه "الجمهوري" لا أكثر، فإنها لن تكون أكثر من مسألة وقت، حتى يفقد الشعب الأميركي ثقته فيهم أيضاً. ولذا فإن الدرس الرئيسي الواجب تعلمه من هذه المعركة الانتخابية الأخيرة، هو أنه لم يعد في مقدور الشعب الأميركي، التسامح مع عدم الأهلية والعجز السياسيين، سواء كان مصدرهما "الجمهوريون" أم "الديمقراطيون" لا فرق. ولنذكر أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون، كان قد مُني بهزيمة شبيهة، يوم أن سيطر "الجمهوريون" على مجلسي النواب و"الشيوخ" في الكونجرس. وبصفتي رئيساً لموظفي البيت الأبيض وقتئذ، فقد طُلب مني التعليق على تداعيات الانتخابات النصفية التكميلية تلك على الرئيس، بل ومدى تأثيراتها على مستقبل أمتنا. فكان ردي على ذلك الطلب، عما إذا كان حزبٌ انتقل للتو من الأقلية إلى الأغلبية في الكونجرس، على استعداد للتعاون مع الرئيس في حكم بلادنا أم لا؟ واليوم فما أدعى الظروف لإثارة السؤال نفسه وتوجيهه إلى "الديمقراطيين". ففي عام 1994، قرر "الجمهوريون" مواجهة الرئيس بيل كلينتون وتحديه مباشرة، بما عرف حينها بـ"العقد مع أميركا". فكانت النتيجة هي عجز الحكومة الفيدرالية. وبدافع الغضب الشعبي العارم من هذه الممارسات، أعلن "نيوت جنجريتش"، الناطق الرسمي باسم المجلس حينئذ، أنه ينبغي على "الجمهوريين" التعاون مع الرئيس، إن كانوا يريدون لحزبهم البقاء. فكان من ثمار ذلك الإعلان والنداء، بدء فترة من التعاون بين الطرفين، أثمرت بدورها عن صياغة ميزانية فيدرالية متوازنة، فضلاً عن إصلاحات ملموسة في نظام الرعاية الصحية، لتتوج بنيل "الجمهوريين" لأغلبيتهم في الكونجرس عام 1996. واليوم وعلى إثر الإعلان عن نتائج الحملة الانتخابية الأخيرة، فقد أضحى "الديمقراطيون" والرئيس، في مواجهة السؤال ذاته: التعاون أم العجز والاحتقان السياسي؟ وفي حين تصدر عن كلا الجانبين عبارات تنمُّ عن المصالحة وإبداء روح التعاون فيما بينهما، فإنه لا شيء يتغير على أرض الواقع، ما لم يتبادل كلاهما الثقة. وبالطبع فإنه لن يسهل تبادل هذه الثقة، على إثر مضي ست سنوات من التطاحن والاحتراب السياسي بينهما. ولذلك فربما كانت البداية الأوفق، هي إعلان وقف لـ"إطلاق نار" ووقف خطابية المهاترات الرخيصة، وتوجيه الإنذارات النهائية لكليهما. وفي غضون ذلك، فلاشك أن "كارل روف" وغيره من مستشاري الرئيس السياسيين، أضحوا بحاجة لعطلة طويلة الأمد. ذلك أنه لابد لكلا الطرفين من توخي النزاهة والصدق في حديثه للآخر، وكذلك إبداء روح التصالح معه. وفي الوقت ذاته، فإن في الإمكان بدء العمل التشريعي داخل المجلسين، بالقضايا التي يرجح توفر الإجماع الثنائي الحزبي عليها، مثل إصلاح قوانين الهجرة، وإصلاح التشريعات الأخلاقية وقوانين التعليم، بما فيها تجديد التعهد بعدم السماح بتخلف أي من الأطفال الأميركيين، من حيث حقوق التعليم. وفي حال إحراز تقدم تشريعي إيجابي في القضايا المشار إليها أعلاه، فإنه يمكن للكونجرس والإدارة حينها، المضي قدماً إلى مناقشة القضايا الأكثر سخونة وإثارة للخلاف، مثل إرساء مبدأ الميزانية الفيدرالية بعيدة الأمد، وتوسيع موارد وبدائل الطاقة، ومعالجة الخلل الحالي في مجال الأدوية والضمان الصحي، إضافة إلى رفع مستوى الأجور. ليون إي. بانيتا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب "ديمقراطي"، ورئيس موظفي البيت الأبيض سابقاً ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"