اجتاح "الديمقراطيون" الكونجرس الأميركي، فيما خرج دونالد رامسفيلد من البيت الأبيض جارّاً وراءه ذيول الخيبة والفشل. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يهمهم أمر الشرق الأوسط، فما زالوا ينتظرون صدور تقرير لجنة "بيكر وهاملتون" حول العراق. هذه اللجنة التي استحدثت بموجب قانون من الكونجرس في مارس 2005. وحدد لها هدف واضح يتمثل في "إعطاء تقييم متبصر للحالة الراهنة والمستقبلية في العراق، بما في ذلك تقديم الاقتراحات والمشورة بخصوص الموضوع". وحرصاً منه على نجاح عمل اللجنة جعل الكونجرس أعضاءها من كلا الحزبين؛ وأسند دور الإشراف عليها إلى شخصيتين بارزتين عرفا بالحكمة وعدم الانحياز، فضلاً عن إنجازاتهما السابقة في السياسية الخارجية الأميركية. فمن جهة هناك وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر الذي عمل مع إدارة الرئيس بوش الأب وأشرف على الشؤون الخارجية خلال مرحلة انتهاء الحرب الباردة. وهو يحظى بتقدير كبير للدور الفعال الذي لعبه في بناء التحالف الدولي الواسع خلال حرب الخليج الأولى، وفي ضغطه على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للمشاركة في مؤتمر دولي للسلام عقد في العاصمة الأسبانية مدريد. ومن جانبه ترك العضو السابق في الكونجرس الأميركي "لي هاملتون" بصمته البارزة كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب. فبينما كان أعضاء اللجنة منحازين في مواقفهم تجاه قضايا الشرق الأوسط حافظ "هاميلتون" على حياده ومواقفه المتوازنة. ونظراً لخصاله المتميزة تلك فقد استدعي من قبل الكونجرس ليرأس لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر التي مازالت توصياتها تحتاج إلى تفعيل حقيقي، رغم اتفاق الطبقة السياسية الأميركية على وجاهة الآراء التي خلصت إليها نتيجة التحقيق. ومنذ أن بدأت اللجنة المسؤولة عن العراق عملها في سرية تامة والأخبار تتسرب حول مضامينها، فمباشرة بعد رجوع جيمس بيكر من العراق حرص على كشف بعض الإشارات العامة. وفي هذا الصدد، كان بيكر واضحاً، عندما استبعد خيارين تداولتهما العديد من الأقلام مؤخراً، حيال العراق وهما التقسيم والانسحاب السريع للقوات الأميركية. وقد ذهبت بعض الأطراف التي تزعم امتلاكها لمعلومات حول الموضوع بأن بيكر يفضل في الواقع مقاربة شمولية تربط العراق بالمشاكل الأخرى التي يعرفها الشرق الأوسط، ملمحين إلى أن اللجنة قد توصي بعقد مؤتمر دولي شبيه بذلك الذي عقد في مدريد. واللافت حقاً هو إجماع الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" على أن الحل للأزمة العراقية لن يخرج عن صفحات تقرير لجنة "بيكر- هاملتون"، وهو ما يعطيها المزيد من المصداقية. وإذا كان الإجماع يعكس في جزء منه التقدير الذي يكنه الحزبان لرئيسي اللجنة بما يتمتعان به من كفاءة وبُعد نظر، فإنه يعكس أيضاً عجز كل حزب على حدة عن صياغة استراتيجية واضحة حيال قضايا الشرق الأوسط تحظى بتوافق جميع ألوان الطيف السياسي الأميركي. وبهذا المعنى تحولت التوصيات المرتقبة للجنة "بيكر- هاملتون" إلى حل سحري ينتظره الأميركيون بفارغ الصبر. ولأني أثق في عمل اللجنة، وأريد لها النجاح في مهامها، لابد من إبداء بعض الملاحظات المهمة. أولاً يتعين على المقترح أن يكون شاملاً في مقاربته لمشكلة العراق، بحيث يأخذ بعين الاعتبار الجذور العميقة للأزمة التي تمتد من العراق إلى لبنان وفلسطين. وإذا ما انتبهت لجنة "بيكر- هاملتون" إلى هذا الشرط الضروري، وهو الشمولية، فسيكون بلاشك بصيصاً من الأمل سيلوح عند نهاية النفق. لكن يبقى الأهم من ذلك طريقة التعامل مع المقترح والتوصيات التي ستخرج بها اللجنة وما إذا كانت ستنفذ فعلاً، أم أنها ستتحول إلى لعبة سياسية تتقاذفها الأطراف المختلفة. وهو مآل مؤسف قد يؤدي بالتقرير إلى البقاء حبراً على ورق كتقرير ميتشل السابق الذي صدر في 2001. وكان يرمي إلى إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لينتهي به الأمر إلى الفشل الذريع بعدما أوكلت الإدارة الأميركية إلى إسرائيل مهمة تحديد شروط تطبيق ما جاء في التقرير.