بعد سقوط رامسفيلد... من سيُساعد "بوش الجديد"؟! تداعيات خسارة "الجمهوريين" الانتخابية على المشهد في العراق، والدعوة الفرنسية إلى وقفة دولية حازمة مع المجازر الإسرائيلية، وزلزال سقوط رامسفيلد، موضوعات دولية ثلاثة نتوقف عندها أدناه في عرض سريع لعناوين وافتتاحيات الصحافة الفرنسية. العراق... ساعدوا "بوش الجديد": في صحيفة لوفيغارو كتب بيير روسلين افتتاحية بهذا العنوان، تحدث فيها عن حالة الضعف المتزايدة التي وجد فيها الرئيس بوش نفسه بفعل تداعيات المأزق العراقي، والتي أدت بالناخبين الأميركيين إلى معاقبته بالتصويت ضد مرشحي حزبه في انتخابات "التجديد النصفي" هذا الأسبوع، "ذلك أن مسار الأحداث في العراق منذ سقوط صدام حسين، ظل كارثياً بالقدر الذي استحقت عليه إدارة بوش هذه العقوبة بجدارة". غير أن المأزق العراقي يقتضي من المجتمع الدولي أن يهب الآن لمساعدة بوش، فلا مجال –يقول روسلين- بعد الآن أمام أي بلد لرفع شعار: "تلك ورطة بوش. وعليه أن يعرف كيف سيخرج منها". وإذا كان كثيرون يظنون الآن أن "الديمقراطيين" الأميركيين القادمين للسيطرة على الكونجرس يحملون في أيديهم حلولاً سحرية لخلاص العراق فعليهم أن يعرفوا أن أولويات الحزب الفائز لا تشجع تفكيراً رغائبياً كهذا. أما اختيار بوش لـ"لروبرت غيتس" وزيراً جديداً للدفاع، فلعل له دلالات سياسية إيجابية فيما يتعلق بمستقبل العراق، فـ"غيتس" عضو في لجنة بيكر- هاملتون، التي درست الحلول والبدائل بشأن العراق، والتي يرجح أنها ستوصي عندما تعلن قريباً نتائج عملها، بإسراع الانسحاب من بلاد الرافدين، وكون "غيتس" يشغل الآن منصباً بهذا الحجم في السلطة التنفيذية، سيزيد من قيمة توصيات اللجنة، وسيجعل فرص اقتناع بوش بآرائها أكبر. أما "العراقيون فعليهم أن يدركوا أن صفحة تطوى الآن، وبالتالي سيتعين عليهم هم أن يصنعوا مصيرهم بأيديهم، بدل الاكتفاء بلعب دور تمثيل السيناريو الأميركي المُعد في واشنطن". هذا في حين تتطلب التطورات الأخيرة من أوروبا أن تتجاوز سياسة الفرجة على مسرح ما يجري في العراق، ففي هذه اللحظة التي تتلمس فيها أميركا طريقاً للخروج من ورطتها لم يعد مطلوباً من أوروبا الاحتفاظ بجمود المشاعر. ومع أنه لا أحد لديه عصى سحرية لترويض جموح الحالة العراقية، كما أنه لا أحد سيسير بحماس ومن تلقاء نفسه الآن إلى مسرح عراقي صعب وخطير بهذه الدرجة، إلا أن الواجب الدولي يقتضي الآن من أوروبا، ومن الجميع أن يهبوا لمساعدة بوش المجروح انتخابياً لتغيير سياسته في العراق بشكل نهائي. "دولة فلسطينية... الآن": كان ملفتاً خلال الأيام الأخيرة اكتساح التعديات والمجازر الإسرائيلية لافتتاحيات الصحف المحلية الفرنسية، التي نادراً ما تتناول عادة الشؤون الدولية. وفي هذا السياق كتب "جاك غييون" في "لاشارانت ليبر" متحدثاً عن مفارقة عجز خلف شارون عن الإفلات من فخ الإرهاب والعنف، فبعد إخفاقه الذريع في القضاء على مقاتلي "حزب الله" في حرب الصيف، ما زال رهانه الوحيد، على ما يبدو، قائماً فقط على منطق القوة. وبعد المجازر التي ارتكبها في لبنان ها هو يعيد الكرَّة في بيت حانون قبل يومين. هذا دون أن يضع في الحساب أن هذه الجرائم تغذي الكراهية لإسرائيل، وتدفع لتبني المزيد من الاتجاهات الراديكالية. والأغرب من كل هذا أن وزير الخارجية الفرنسي نبه السفير الإسرائيلي رسمياً إلى خطورة الوضع وجاء الرد سريعاً بالمزيد من الاختراقات الجوية للحدود اللبنانية. وفي "ألزاس بريس" كتب "باتريك فلوكيجر" افتتاحية أكد فيها أن إسرائيل لن ترعوي أبداً عن اتباع سياسة رفع المزاد وضرب الأرقام القياسية في نشر الرعب في هشيم المنطقة. فسياسة العقوبات الجماعية التي تتبعها، وتجاهلها للتنبيهات الدولية بوقف اعتداءاتها، يؤكدان أنها ماضية في طريق حرب لا نهاية لها، والتي هي في غير مصلحة الشعب الإسرائيلي نفسه. أما في "لانوفيل روبيبليك"، فقد تناول "هرفيه كاني" التوتر المختبئ تحت السطح بين باريس وتل أبيب، بسبب الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، والذي يأتي تكملة لافتراق العاصمتين في فهمهما لقواعد اللعبة منذ حرب لبنان الأخيرة. والأهم من ذلك كله فشل القادة الإسرائيليين في فهم حقيقة أن "القبعات الزرقاء" الفرنسية في "اليونيفيل" رقم جديد في المعادلة، لن تسمح باريس بالتعدي عليه، فجنوب لبنان ليس ساحل العاج، والجنود الفرنسيون لن يقتلوا هناك كالأرانب، والأوامر لديهم واضحة، وضمنها إطلاق النار، دون تردد إذا اقتضى الأمر ذلك، وكادوا يفعلون ذلك وتجنبوه "بفارق ثانيتين" فقط نهاية أكتوبر. وفي صحيفة لوفيغارو دعا وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشل بارنييه إسرائيل إلى التخلي عن سياسة فرض الأمر الواقع والتعسف وذلك في مقال بعنوان: "دولة فلسطينية... الآن"، حيث أوضح أنه لا خيار آخر لتعزيز فرص السلام غير قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والقابلة للحياة، دون تأخير. زلزال سقوط رامسفيلد: صحيفة لوموند واكبت استقالة دونالد رامسفيلد بافتتاحية قالت فيها إن تخلص بوش من وزير دفاعه المثير للجدل من شأنه أن يتيح له إمكانية بناء علاقة تعاون مع "الديمقراطيين"، الذين لاشك تتركز نظراتهم الآن على نائب الرئيس وبقية صقور "المحافظين الجدد"، على أمل الخلاص منهم هم أيضاً. ومع أن الصحيفة لا ترجح أن سياسة بوش في العراق ستتغير بسرعة وبشكل جذري إلا أنها ترى أن التكتيك قد خطا سلفاً على طريق التغيير. كما أن تقرير لجنة بيكر- هاملتون المرتقب إعلانه قد يفتح خريطة طريق جديدة أمام بوش. ومع أن خلف رامسفيلد وزير الدفاع المرشح روبرت غيتس لن يستطيع هو الآخر الفوز بحرب العراق، إلا أنه يستطيع تخفيف وقع الخروج من هناك، وجعله يتم في ظروف أسلس ولا تفهم على أنها هزيمة مُدوية. أما في صحيفة ليبراسيون فقد كتب جان- ميشل تينار افتتاحية رجَّح فيها أن يؤدي التعايش السياسي الصعب بين بوش وخصومه "الديمقراطيين" إلى تسريع عملية البحث عن مخارج من "المستنقع" العراقي، مؤكداً أن على أوروبا، وتحديداً فرنسا، مساعدة بوش على تغيير استراتيجيته في العراق من البحث عن الانتصار و"نشر الديمقراطية" إلى البحث عن مخرج و"نشر الاستقرار". وفي صحيفة "لا بريس دو لا مانش" الجهوية كتب "جان لوفالوا" افتتاحية اعتبر فيها إقالة رامسفيلد بادرة حسن نوايا ورغبة في التعايش من بوش تجاه "الديمقراطيين"، وإن كانت غير كافية وحدها. أما الاحتفال الأكبر بسقوط رامسفيلد فقد جاء في افتتاحية بالمناسبة لصحيفة لومانيتيه "الشيوعية"، فتحت عنوان: "خبر سار" كتب "كلود كابان" مؤكداً أن الاستراحة من رامسفيلد كانت خياراً لابد منه وإن تأخر كثيراً، تماماً كما أن التخلص من بقية "المحافظين الجدد" وفكرهم البدائي، وأوهامهم التي تصور لهم أنهم "حراس الإمبراطورية"، يجب أن تكون هي الخطوة التالية. أما بوش فعليه أن يعرف أن الهزيمة في الانتخابات الأخيرة هي هزيمة له هو شخصياً، واستفتاء بحجب الثقة عن بقية مشروعه السياسي. ولا بديل لكي يكمل تعديل اختلال سياسته من تغيير جذري في المعادلة العراقية، بما في ذلك نسف أعز قناعاته إلى قلبه، ولابد أيضاً من تغيير الطريقة التي تنظر بها أميركا إلى العالم، لكي تتغير رؤية العالم إلى أميركا. إعداد: حسن ولد المختار