قبل شهرين ماضيين، أعلن الرئيس الباكستاني، الجنرال برويز مشرف، عن إبرامه اتفاقية سلام مع المتطرفين الإسلاميين، في إقليم وزيرستان الواقع شمالي البلاد، وقرب الحدود الأفغانية، على أمل أن يكون ذلك الاتفاق مثالاً يحتذى في كبح جماح العنف الإسلامي داخل البلاد، فضلاً عن حده من أنشطة التمرد العابرة للحدود إلى الجارة أفغانستان. ولكن الذي حدث اليوم هو أن ذلك النموذج، قد انهار وتمزق تماماً. فقد عصف بذلك الاتفاق السياسي السلمي الخاص بالمنطقة الشمالية الغربية من باكستان، اعتداءان مدمران، أولهما هجوم صاروخي حكومي على مدرسة واقعة في منطقة "باجور" في الثلاثين من شهر أكتوبر المنصرم، أسفر عن مصرع 82 ضحية. ثم تلاه رد انتقامي انتحاري يوم الأربعاء الماضي، أسفر هو الآخر عن مصرع 42 جندياً من مجندي الجيش الباكستاني في معسكر تدريب بمنطقة "ملاكاند" القبلية. وكان الهجوم الصاروخي الحكومي على المدرسة المذكورة، قد بني على معلومات استخباراتية أميركية، أكدت استخدام المدرسة لأغراض تدريب المتمردين والمتطرفين الإسلاميين. وذكرت المصادر أن هذه العناصر قد وجدت ملاذاً آمناً لها في تلك المنطقة الحدودية، التي تتمتع بقدر من الاستقلال النسبي في شمالي باكستان -حيث لا يستبعد وجود أسامة بن لادن فيها، مع عدد آخر من كبار زعماء وقادة تنظيم "القاعدة"- ولذلك يتوقع المسؤولون الآن، اندلاع موجة جديدة من العنف والعنف المتبادل، خاصة على إثر تزايد الغضب الشعبي على الحكومة، ودعوة عدد من القادة الإسلاميين المتطرفين، إلى إعلان الجهاد على الجيش الأميركي وحلفائه من الجنود الغربيين، الذين يقاتلون حالياً في أفغانستان. ووصف مسؤول عسكري غربي رفيع المستوى في عاصمة الإِقليم الشمالي الغربي من باكستان –رفض ذكر اسمه- تجدد موجة العنف هذه بأنها كارثية. ثم مضى قائلاً: إنه لكابوس فعلي أن يتعرض جيش وطني للهجوم عليه في تراب أرضه، ومن قبل أبناء بلده. والحقيقة أن باب التفاوض حول التسوية السلمية السياسية للنزاعات، قد أغلق تماماً على إثر تبادل الهجومين المذكورين بين الحكومة والمتطرفين الإسلاميين. والذي أخشاه أن نكون قد دخلنا حالة حرب فعلية في المناطق القبلية من باكستان. وفي المقابل، فقد سرت إدانة حادثة الهجوم الصاروخي الحكومي على المدرسة، على امتداد باكستان كلها تقريباً. بل إن هناك من قال إن الصاروخ المذكور، كان محمولاً على طائرة "بريدتور" الأميركية، وأنها هي التي قصفته في الأصل. وتذهب الرواية الأخيرة هذه، إلى أن الصاروخ كان يدور في سماء المدرسة، قبل مدة سابقة من وصول طائرة الهليكوبتر الباكستانية المقاتلة إلى الموقع. غير أن مسؤولين أميركيين وباكستانيين على حد سواء، نفوا صحة هذه الرواية. ومن الجانب الآخر، فقد عمت مشاعر الغضب في أوساط القادة المحليين، الذين أكدوا أن المدرسة كانت لا تستغل لأي غرض آخر، سوى التعليم الديني، وأن الكثيرين من طلابها وتلاميذها الشباب قد لقوا حتفهم فيها جراء ذلك القصف. يشار إلى أن هذه المدرسة، يتولى إدارتها شيخ ينتمي إلى إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة المحظورة. يجدر بالذكر أيضاً، أنه لم يتم الإمساك بأية أدلة مادية على استخدام المدرسة لأغراض تدريب المتطرفين والمتمردين الإسلاميين، وأنه منع دخول الصحفيين إليها، بينما كانت جثث معظم الضحايا الموجودين داخلها، من التشويه إلى حد يصعب فيه التعرف على أصحابها. إلى ذلك وصف الكثيرون من الباكستانيين، ذلك الهجوم بأنه جريمة بحق الإنسانية، وأنه أشعل نيران الغضب الشعبي على أميركا وحليفها برويز مشرف، وأن ما حدث، سيدفع المزيد من الباكستانيين إلى الانتماء إلى تنظيم "القاعدة". أما الجيش الباكستاني، فقد أكد من ناحيته، أنه لم يكن أمامه خيار آخر سوى تنفيذ الهجوم. فقد توفر فيض من المعلومات والأدلة الاستخباراتية على استخدام المدرسة المذكورة، لأغراض تدريب المتمردين والمتطرفين الإسلاميين، وليس للدراسة الدينية. وفيما لو رفض الجيش توجيه ضربة عسكرية للموقع، فإن من شأن ذلك أن يلحق أضراراً بالغة بالتحالف الأميركي- الباكستاني، لاسيما وأن باكستان تعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، في حربها ضد تنظيم "القاعدة" وجماعات الإرهاب الأصولي، بصفة عامة. باميلا كونستابل وقمران خان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلا صحيفة "واشنطن بوست" في بيشاور ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"