سُئل سامي حداد، أحد أشهر مقدمي البرامج في قناة "الجزيرة"، ضمن احتفال القناة بمرور عشر سنوات على انطلاقها، عن تجربته السابقة في "هيئة الإذاعة البريطانية" وتجربته الحالية. قال إن الإذاعة البريطانية كان لها معيار في التعامل مع الخبر هو "الخبر كما يُرى من لندن"، بينما في "الجزيرة" يُعامل الخبر "كما تراه الكاميرا". وهذا تأكيد لما يتردد، من أن القناة تمارس التضليل الإعلامي. أفلا يعتبر تضليلاً إذا عُرض رجل معصوب العينين يرتعد خوفاً بينما مسلحون يحيطون به، يمطرونه بوابل من الرصاص، يسقط على إثرها ميتاً، دون الإشارة إلى أن الرجل محكوم عليه في جريمة قتل عمد؟ فالخبر كما رأته الكاميرا لا يفسّر ما جرى، وهذا يجعل المشاهد يتعاطف مع "الضحية" ويغضب من "الجناة"! نقلت كاميرا "الجزيرة" صور غزو العراق، وصور الهرج والمرج الحاصل هناك، وصور المتاحف العراقية المنهوبة. وطبيعي أن تخرج الجماهير العربية وهي تهتف باسم صدام حسين. لكن الكاميرا لم تنقل صور هجوم القوات العراقية على إيران، ولا صور إبادة الأكراد بالكيماوي، ولا قمع الجنوب بوحشية، ولا غزو الكويت وحرق مؤسساتها وأرشيفها الوطني ومتحفها وآبار نفطها. صحيح أن "الجزيرة" ولدت بعد هذه الأحداث، لكن يمكن لمن يسعى إلى الحقيقة الاستعانة بأرشيف الصور، واستضافة ضحايا الأمس، وما أكثرهم، وإعطاء صورهم وشهاداتهم، المساحة نفسها التي تعطى لأحداث اليوم وضحاياه، احتراماً لعقل المشاهد النبيه، وتذكيراً للغافل وابن اللحظة. وإن كان هذا لا يتفق مع معيار "الجزيرة" في التعامل مع الخبر، فلِمَ تعرض "الجزيرة" يوم الحكم على صدام في قضية "الدجيل"، صوراً لصدام وهو "يعوّض" أصحاب بساتين في "الدجيل"؟ وتنقل كاميرا "الجزيرة" صور مداولات قادة الدول الكبار بشأن برنامج "الملالي" النووي. وهذا يجعل المرء يشتاط غضباً وعجباً لحال الدول الكبرى، وتتوّهه أكثر في عالم المؤامرة. لكن الكاميرا نفسها لا تنقل صوراً لسكان مدن "خوزستان" الذين لم يعودوا بعد إلى مدنهم التي دُمرت أثناء الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، ولا صوراً لأهالي "بام" وهم في الخيام، على الرغم من مضي ثلاث سنوات على الزلزال الذي ضرب المدينة، وعلى الرغم من مئات الملايين من الدولارات التي ذهبت لـ"الملالي" خاصة من دول الخليج التي أرسلت 400 مليون دولار للمساعدة في رفع آثار الزلزال. وتنقل كاميرا "الجزيرة" صوراً لأفراد من "حزب الله" وهم مبتسمون يوزّعون 12 ألف دولار عداً ونقداً لكل صاحب بيت تضرر في حرب الـ33 يوماً ضمن 500 مليون دولار قدمها "ملالي" إيران لـ"حزب الله". وهذا يعطي انطباعاً إيجابياً عن "الملالي" وعن دورهم في "المواجهة" مع العدو. لكن الكاميرا العجيبة لا تنقل صور احتجاجات مئات الآلاف من عمال المصانع الإيرانية الذين لم يقبضوا أجورهم منذ أشهر بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية هناك. تبقى الكاميرا في أفضل الحالات أداة تنقل ما يجري، ولا تستطيع من تلقاء نفسها عرض الساعات السابقة، كما في "مأساة" صدام، ولا كذلك عرض اللحظات المرتبطة باللحظة المعروضة، كما في "كرم" "الملالي"، فليس من وظيفة الكاميرا استرجاع الصور أو ربط بعضها ببعض، فهذا عمل صاحب الكاميرا إذا كان يسعى للحقيقة فعلاً.