تؤدي قطرات الماء المتسربة من صنابير المياه التالفة في الدول الغنية إلى فقدان كميات من المياه النظيفة تفوق الكميات التي يستهلكها ما يزيد على مليار إنسان في الدول النامية. وفي الوقت الراهن يعاني نصف عدد سكان البلاد الفقيرة من مشكلات صحية نتيجة لتلوث المياه وسوء خدمات الصرف الصحي. يذكر أيضاً أن 1.8 مليون طفل يموتون سنوياً من الإسهال، وهو عدد من الوفيات يفوق عدد هؤلاء الذين يلقون مصرعهم جراء الصراعات المسلحة. عند منعطف الألفية أبدت "اللجنة العالمية للمياه" قلقها من التنبؤات المتشائمة المتعلقة بمستقبل المياه على سطح كوكب الأرض، وحذرت من أن نصف سكان العالم سيعيشون تحت ظروف، تتسم بالنقص الشديد في المياه بحلول منتصف القرن الحالي. من بين الإجراءات المتخذة كرد فعل على تناقص كميات المياه وعدم القدرة على التنبؤ بمقدار كميات الأمطار، ذلك الإجراء الخاص بتخزين المياه تحسباً لحدوث أي نقص فيها، وفي هذا السياق يحث البنك الدولي الحكومات المختلفة على بناء المزيد من السدود وخزانات المياه الضخمة، على الرغم من الآثار الاقتصادية والبيئية الخطيرة التي قد تنجم عن هكذا خطوة. وفي تقرير مفصل عن الماء، نُشر الخميس الماضي، جاء أن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، سيتخذ نهجاً مختلفاً اختلافاً جذرياً للتعامل مع موضوع نقص المياه، فتقرير التنمية البشرية لعام 2006، يرفض التنبؤات المتشائمة. ويقول إن جزءاً كبيراً من مشكلة نقص المياه، يرجع إلى الافتقار إلى الإرادة السياسية بأكثر مما يرجع إلى العوامل الطبيعية، كما تتحكم فيه عوامل أخرى مثل السلطة والتفاوت بين المناطق الغنية والمناطق الفقيرة ودرجة العدل والمساواة بين المواطنين في كل دولة من الدول. وهناك حاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال على الاستثمار في مجال تنمية موارد المياه على أن يكون معلوماً في هذا السياق، أن الاعتماد على تخزين المياه في خزانات ضخمة يؤدي إلى تركيز السلطة السياسية، أي أن السلطة السياسية ستكون في أيدي القوى التي تتحكم في بناء تلك الخزانات والمستودعات والإشراف عليها، وخصوصاً في الدول الفقيرة في قارة أفريقيا. علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في مجال تنمية موارد المياه، يحتاج إلى مشروعات ضخمة غالباً ما تستفيد منها الفئات الحاكمة والطبقات الغنية في المجتمعات، وقد ما أعرب تقرير التنمية الإنسانية للأمم المتحدة الصادر في عام 2006 عن قلقه العميق تجاه هذا الأمر. ويشير هذا التقرير إلى النداءات التي تتبناها، العديد من الجهات المهتمة بهذا الأمر، والتي تطالب باتباع ما يعرف بـ"النهج اللين" لتنمية موارد المياه. يقوم هذا النهج على سلسلة من الحلول الصغيرة وغير المركزية، وعلى تحسين درجة الكفاءة في التنفيذ لضمان وصول الفوائد الناجمة عن تنمية موارد المياه إلى أكبر عدد ممكن من السكان الفقراء. ولتلافي المشكلات المتعلقة بالقنوات والخزانات التي تسيطر عليها سلطة سياسية، تتحكم في توزيع المياه على من تريد من سكانها، ووفقاً لتوازنات واعتبارات خاصة بها، ولا تتعلق بمدى الحاجة إلى المياه. ووفقاً لمشروع الألفية التابع للأمم المتحدة، فإن هناك 500 مليون أسرة زراعية تعاني من الفقر المدقع، نتيجة لاعتمادها في معيشتها على مساحات صغيرة من الأرض تعتمد على الري من مياه الأمطار غالباً. وهذه الأسر هي التي يركز عليها هذا النهج الجديد في حل مشكلة المياه، وخصوصاً من خزانات المياه البسيطة التي لا تكلف كثيراً من الأموال، والتي لا تتحكم فيها سلطة مركزية. ويقول الخبراء إن الفائدة التي ستتحصل عليها تلك الأسر من هذه المشروعات، تفوق بكثير الفوائد التي كانت تتحصل عليها من خلال حفر القنوات وبناء السدود الضخمة في أودية الأنهار الخصيبة في مختلف مناطق العالم. و"النهج اللين" في تنمية مصادر المياه، يعتمد على التقنيات الجديدة، وعلى الوسائل التقليدية في تخزين المياه في وقت واحد. ففي دولة مثل الهند على سبيل المثال، كان الفلاحون يقومون على مدى آلاف السنين ببناء سدود صغيره في مناطقهم لتخزين المياه وإعادة تعبئة مصادر المياه الجوفية حتى لا تنضب. ويرى تقرير التنمية الإنسانية أن إنفاق مبلغ 7 مليارات دولار مبدئياً، سيساعد على إنشاء المزيد من تلك المشروعات في جميع أنحاء الهند مع التركيز بشكل خاص على المناطق، التي تعتمد على الزراعة بالأمطار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة قيمة المحاصيل المطرية من الرياح الموسمية في هذه المناطق من 36 مليار دولار إلى 180 مليار دولار في اليوم. ومن ضمن الوسائل "اللينة" الأخرى التي يتم استخدامها للتغلب على نقص المياه وسيلة الري بالتنقيط. فهذه الطريقة تساعد على توفير المياه لجذور النباتات بطريقة أكثر فعالية من طريق الري من خلال قنوات صغيرة، تدخل إلى الأرض الزراعية لغمرها بالمياه وترجع فعالية تلك الطريقة إلى أنها تحقق توصيل المياه لجذور النباتات، ولكنها تحقق وفراً في استخدام كميات المياه المطلوبة بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 70 في المئة. علاوة على ذلك، فإن هذا الأسلوب من أساليب الري يحتاج إلى عمالة أكبر، مما يعني أنه يساعد على توفير المزيد من فرص العمل في المناطق الفقيرة ويحسِّن بالتالي من مستوى المعيشة، وفي رأيي أن هذا "النهج اللين"، الذي اقترحه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هو الذي سيساعد على كسر الدائرة الشريرة التي تطوق الفقراء، وتحول بينهم وبين الوصول إلى مصادر المياه ومواقع السلطة في آن واحد. بيتر بوشارد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير السياسات بـ"شبكة الأنهار العالمية" وهي مجموعة متخصصة في شؤون البيئة وحقوق الإنسان مقرها بيركلي– كاليفورنيا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"