رغم الازدهار الكبير الذي تشهده بعض القطاعات الاقتصادية في دولة الإمارات، يمكن القول إجمالاً إن هناك خطراً اقتصادياً ملموساً ما لم تنجح الدولة في تحقيق تغيير جذري في بنيتها الاقتصادية بما يرفع من قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية. فالبيئة الاقتصادية العالمية التي تشهد انفتاحاً كبيراً وتحوّلاً بنيوياً عميقاً، تفرض على الإمارات، كما تفرض على غيرها من دول المنطقة، إعادة هيكلة اقتصاداتها بالطريقة التي تضمن مكاناً مناسباً في الخريطة الجديدة للاقتصاد العالمي. وإذا كانت الآفاق على المدى القصير تبدو واعدة بالنسبة إلى دولة الإمارات بسبب ما يوفره سوق النفط من أسعار مرتفعة، فإن المتغيّرات الاقتصادية العالمية تؤكد أنه لا مفر من ركوب موجة الإصلاح الاقتصادي بأعمق وأشمل مما يحدث الآن. على الرغم من الخطوات الكبرى التي اتخذتها دولة الإمارات بهدف تحرير اقتصادها من سيطرة النظم الحكومية محلية كانت أم اتحادية، فإن هذه الإصلاحات الاقتصادية تظل هشة ما لم تكن هناك تعديلات جوهرية في النظم والمؤسسات الاقتصادية. كما أن هذه الخطوات ستكون قاصرة عن تحقيق أهدافها المرسومة على الوجه الأكمل في ظل غياب شبه تام للتنسيق ما بين الدوائر والمؤسسات الاقتصادية المختلفة، وهي جهات لا تزال دون مستوى الطموحات من حيث الخدمات التي تقدّمها أو دورها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الدولة عموماً، مع بعض الاستثناءات القليلة. ففي استطلاع أجرته صحيفة "الاتحاد" مؤخراً، طالب المشاركون بالتسريع في تطوير مستوى الخدمات التي تقدّمها غرف التجارة والصناعة والدوائر الاقتصادية والبلديات والوزارات في الدولة، مؤكّدين أهمية عمل إمارات الدولة كافة من خلال هذه الجهات على الارتقاء بدورها التنموي في سياق سياسة اتحادية موحّدة تخاطب المتعاملين والمستثمرين المحليين والإقليميين والعالميين بصوت واحد، إذ لا يعقل تقديم مستويات متفاوتة من حيث التطور والتقنيات والسهولة في مختلف إمارات الدولة. كما أن الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة حالياً تضع هذه الجهات في مأزق حيث لم يرتق دورها وخدماتها للمستوى الذي وصل إليه اقتصاد الدولة عموماً، بينما تتسع باستمرار الفجوة ما بين القطاعين الخاص والحكومي، وما بين الاتحادي والمحلي، وما بين الإمارات أيضاً. إن محصلة مسيرة التنمية الاقتصادية في الإمارات تضمّنت قدراً كبيراً من الإنجازات في العديد من المجالات، إلا أنه وفي الوجه الآخر، أفرزت هذه المسيرة عدداً من التحديات التي تتطلب مواجهة صريحة وشجاعة، بعد أن وصل التشرذم الاقتصادي ذروته، وتمدّد الوعاء الاقتصادي ليشمل القطاع الخاص وحده أكثر من 300 ألف منشأة اقتصادية، منها ما يزيد على 90% صغيرة الحجم، وما يقرب من 10% منها وهمية لا وجود لها في الأساس، بينما يدفع تعدد وازدواجية الأنشطة والمشروعات الاقتصادية داخل الدولة نحو التنافس الضار بين العديد من المنشآت ذات المنتج الواحد، في معركة طاحنة قد تفني بعضها وتضعف بعضها الآخر، ما يمثل هدراً لموارد اقتصادية طائلة، وخطراً داهماً للقطاع الخاص المحلي، وهو مقبل على منافسة خارجية إقليمية أشد ضراوة. إن التطورات الاقتصادية والسياسية المتسارعة على الساحتين الإقليمية والعالمية تفرض تحدّيات حقيقية على دولة الإمارات وتدفعها للإسراع في تعزيز مسيرة التكامل الاقتصادي كأحد أهم المتطلبات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز "الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.