تعتبر القوة العسكرية وسيلة مهمة من وسائل تحقيق السياسة الخارجية، ونظراً إلى ما يمكن أن يحدثه استخدامها من دمار، فإن من المهم تقييم استخدام هذه الوسيلة بشكل مناسب، وبطرق من شأنها تسهيل مقارنتها بالوسائل غير العسكرية في تحقيق السياسة الخارجية وإدارة شؤون الدولة. ولسوء الحظ، فإنه إلى الآن، لم تحظ أي من خسائر أو فوائد استخدام الوسائل العسكرية في السياسة الخارجية للدول، بالاهتمام الكافي الذي تستحقه في الأوساط الأكاديمية. لقد درج الباحثون على تصنيف نتائج الحروب في صيغ متفرعة ثنائياً: فهي إما أن تكون نصراً مؤزراً أو هزيمة نكراء لا ثالث بينهما. وأخذاً في الاعتبار أهمية تقييم نتائج الحرب، فإن المرء يتوقع أن يجد كماً هائلاً من الأدبيات العلمية حول طبيعة النجاحات العسكرية، وبالفعل يمكن القول إن القضايا المركزية لأشهر ما كتب حتى الآن حول الحروب، اهتمت بالصيغة المناسبة لتحديد النجاح في الحرب، ومع ذلك فإن أدبيات استخدام القوة العسكرية تحتوي على مناقشات محدودة لمعنى النجاح. إن ذلك يسري أيضاً على الدراسات النوعية التي تعتبر دقيقة جداً من زوايا عدة، فهذه الدراسات تعتمد على الإحصاءات التي يتداولها المتخصصون في تقييم مخرجات الحرب. وهنا، تصيب المرء حيرة حول من هم أولئك المتخصصون، وكيف توصلوا إلى النتائج التي يسوقونها، وكيف يتم تحديد التوافق فيما بينهم؟ الإدارة العسكرية لشؤون الدولة تعتبر أكثر الوسائل كلفة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، فما تنفقه الدول سنوياً على الجيوش والمؤسسات العسكرية يصل إلى مئات المليارات، في نفس الوقت الذي يتم فيه إنفاق مبالغ ضئيلة نسبياً على الوسائل غير العسكرية في إدارة شؤون الدول كوزارات الخارجية والأمم المتحدة وغيرها. وإذا ما كان استخدام القوة العسكرية كوسيلة للسياسة الخارجية مكلفاً بهذا الشكل، فإن المرء يتوقع من الذين يدرسونها أن يكونوا مهتمين بشكل خاص بالتكاليف المادية والبشرية التي ترتبط بها. وفي تقديري تعتبر التكاليف جزءاً أساسياً من مقولة استخدام القوة العسكرية في السياسة الخارجية، وأن حسابات الاستخدام هي كل شيء بالنسبة لتقديرات النجاح. وفي هذا السياق تعتبر مقولة تحقيق النصر بتكاليف باهظة جداً مضللة فيما يتعلق بمخرجات الحرب. وهنا يمكن القول إن الخسائر مهمة في مقياس درجة النصر الذي يتحقق، لذلك فإن أي نصر باهظ التكاليف، لا يعتبر من وجهة نظري، نصراً على الإطلاق، وعليه فإن القيام بتقييم نجاح نتائج أي حرب دون الرجوع لحساب التكاليف التي يتكبدها المشاركون، هو في الواقع أمر مضلل بشكل خطير. ومن جانب آخر فإن ما يسوقه بعض من دارسي حقل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية من وصف للحرب بأنها استمرار للسياسة الخارجية بوسائل أخرى، يعني أن النجاح أو الفشل في الحرب يجب أن يقيَّم بنفس الطريقة التي يتم بها تقييم نجاح أو فشل وسائل السياسة الخارجية الأخرى. إن ذلك يعني أن القوة العسكرية، هي ببساطة وسيلة بديلة متاحة لصناع السياسة الخارجية لكي يحققوا نهايات بعينها. ولكن إذا ما كان على صناع السياسة الخارجية الاختيار بين استخدام القوة العسكرية وبين بدائل أخرى، فإن من الواجب أن يكون لديهم إطار عمل تحليلي من شأنه تسهيل إجراء المقارنة بين الاستخدام الممكن لوسيلة ما في مقابل الوسائل الأخرى المتاحة. قرارات السياسة الخارجية، عادة ما تكون لها نتائجها الخطيرة، الأمر الذي يتطلب تزويد صناع السياسة الخارجية بنوع المعرفة التي من شأنها مساعدتهم على الاختيار بشكل أكثر عقلانية من بين وسائل عدة تخص إدارة شؤون الدولة، لذلك فإن هذا الأمر يستحق أفضلية قصوى من قبل دارسي العلاقات الدولية. إن توفر معرفة من هذا القبيل له شرطان: الأول هو أن يتم فهم طبيعة السياسة ذات العلاقة بالمعرفة، ولكي يتم اتخاذ قرارات سياسية عقلانية يحتاج صناع السياسة إلى السؤال عن كيف يمكن لأداة سياسية معينة أن تكون مؤثرة حين تستخدم لتحقيق أهداف ونهايات محددة وبأية تكلفة، والقيام بمقارنة تلك الأداة بأدوات السياسة الأخرى المتاحة لديهم. أما الأمر الثاني، فهو أن تطوير مقولات تحليلية من شأنه السماح بإجراء مقارنة بين التقنيات البديلة لإدارة شؤون السياسة الخارجية، أمر ممكن ويستحق الأخذ به، ولكي تتم المقارنة بين القوة العسكرية والتفاوض الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية مثلاً، فإن تنظير النجاح مرتبط بها جميعاً. إن أي منظور يفشل في السماح لدرجة من النجاح أو الفشل، أو لا يستطيع الأخذ بعين الاعتبار كل من التكاليف المتوقعة والفوائد المرجوة من استخدام كل وسيلة، يمكن له أن يضلل صناع السياسة الخارجية بشكل خطير. خاتمة القول هي، إن المرء قبل أن ينتقد إحباطات السياسة الخارجية، عليه أن يتأمل في معاني النجاح أو الفشل المتواجدة فيها، وقبل أن نردد شعارات النصر الرنانة على الأعداء علينا أن نسأل أولاً: ما الذي يعنيه النصر في حد ذاته، وكيف لنا أن نعرفه حين نراه؟