عندما اعتنق عبد النور برادو الإسلام عام 1998، لم يكن يدور في خلده أنه سيصبح في يوم من الأيام المتحدث باسم الجالية المسلمة في إسبانيا. فقد كان الكاتب الشاب برادو المنحدر من أسرة كاثوليكية غير متدينة خارج دائرة الإيمان، بل لم يكن يتردد في إعلان إلحاده. لكنه خلال أزمة روحية مر بها في العشرينات من عمره صادف القرآن في مسيرته وتأثر به كثيراً. يقول برادو في هذا الصدد "لقد ذهلت بما يذكره القرآن عن وحدة البشر، ففي المؤسسات الدينية بما فيها الإسلام الطائفي توجد حواجز، لكنني في القرآن لم أجد أية حواجز تفصل بين البشر". وقد أدى الإسلام المعتدل والمتسامح الذي اعتنقه برادو وكثيرون غيره إلى تسليط الضوء على جماعتهم الجديدة التي تعرف في إسبانيا بـ"جماعة المسلمين الإسبان" بعدما أصبحت تتمتع بقوة متنامية وبعلاقة نافذة مع مؤسسات الدولة الإسبانية. وبالرغم من عددهم الضئيل مقارنة مع المسلمين من أصول غير إسبانية، إلا أن المعتنقين الجدد للإسلام باتوا يتمتعون بنفوذ متزايد، وخاصة في لعب دور الوساطة بين مؤسسات الدولة المختلفة والجالية المسلمة في البلاد. وفي الوقت الذي تحاول فيه الدول الأوروبية معالجة قضية اندماج جالياتها المسلمة التي أصبحت في نظر الكثيرين مصدر قلق متصاعد للأوروبيين في ظل خطر الإرهاب الإسلامي، يحتل مسلمو إسبانيا الجدد موقع الوسط في هذه المعادلة المُعقدة. فبينما يخشى السياسيون الإسبان من أن يتحول المسلمون المولودون في إسبانيا هدفاً سهلاً للمتطرفين، يشكك بعض المسلمين التقليديين داخل إسبانيا في مقاربتهم الليبرالية للإسلام. وتسلتهم هذه الجماعة الجديدة، التي تتشكل أساساً من الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، تصورها عن الإسلام من حقبة تاريخية سابقة شهدتها إسبانيا تحت حكم المسلمين تميزت بانسجام بين المسلمين والمسيحيين واليهود في جو من التسامح والاحترام المتبادل لا تعكر صفوه المشاكل التي يشهدها العالم اليوم. لذا يعارض المسلمون الجدد في إسبانيا المتطرفين، كما يدافعون عن حقوق المرأة في الإسلام ويطالبون بتفعيلها. وقد ساهمت هذه المبادئ، التي يمكن الاطلاع على فحواها من خلال موقع إلكتروني على الإنترنت تابع لـ"جماعة المسلمين الجدد"، في طمأنة الحكومة الإسبانية بشأن أهداف الجماعة، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر وتفجيرات مدريد 2004. وفي الذكرى الأولى لتفجيرات مدريد أصدرت اللجنة الإسلامية التي أحدثت في 1992 للتنسيق بين الحكومة والجالية المسلمة المزدهرة في إسبانيا فتوى تدين فيها أسامة بن لادن، وهي الفتوى التي لاقت صدى طيباً لدى وسائل الإعلام الإسبانية. وفي هذا السياق يقول منصور إسكوديرو، وهو أحد قادة "جماعة المسلمين الإسبان" وأمين عام اللجنة الإسلامية "لقد أوضحنا لكل من الجالية المسلمة في إسبانيا والسلطات الحكومية أنه لا يوجد تعارض بين الإسلام والقيم الديمقراطية" مضيفاً أن "الحكومة لا تستخدم عبارة (الإرهاب الإسلامي) لأننا أوضحنا لهم في مناسبات عديدة أنه لا يوجد هناك إرهاب إسلامي ما دام الإسلام يحرِّم الإرهاب ويحظره". يشار إلى أن عدد المسلمين في إسبانيا يصل اليوم إلى مليون نسمة، حوالي 20% منهم من المعتنقين الجدد للإسلام. ويرجع اعتناق الإسبان للإسلام إلى سنوات السبعينيات، عندما انتشر التصور السائد عن الإسلام بأنه الدين الذي يحمي المستضعفين والمهمَّشين. لكن سرعان ما تحولت "جماعة المسلمين الإسبان" إلى صوت الجالية المسلمة البارز الذي يتحدث باسمها مع الحكومة الإسبانية ويدافع عن مصالحها، فضلاً عن السعي إلى انتزاع الامتيازات نفسها التي يتمتع بها الكاثوليك في إسبانيا. وتعمل "جماعة المسلمين الإسبان" بتنسيق مع الحكومة الإسبانية لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية التي تهم المسلمين. وفي هذا الإطار تساعد وزارة العدل الإسبانية الجماعة على تنظيم مؤتمرها السنوي حول الإسلام والمرأة. كما تقوم إحدى الجامعات التي تمولها الدولة بطرح برامج حول الثقافة والفكر الإسلاميين للطلبة الراغبين في دراسة الإسلام. ولكن بالرغم من الجهود التي تبذلها "جماعة المسلمين الإسبان" للتعريف بالدين الإسلامي لدى السلطات الحكومية مازال بعض المسؤولين، الذين يتوجسون من الهجرة وخطر الإرهاب، ينظرون بعين الريبة إلى الجالية المسلمة الإسبانية. فقد تم اعتقال ثلاثة مسلمين جدد في بريطانيا على خلفية التحقيق في محاولة تفجير طائرات تقوم برحلات إلى الولايات المتحدة. وفي إسبانيا صدر كتابان مؤخراً يحذران من تنامي نفوذ الجالية المسلمة في البلاد، لاسيما المسلمين من ذوي الأصول الإسبانية. ويحذر نائب الحزب الشعبي في البرلمان الإسباني "جوستافو دي أريستيجو" في كتابه "الجهاد في إسبانيا" من صعود الجالية المسلمة في البلاد، وخطر ذلك على أمنها واستقرارها الداخلي. ويقول "أريستيجو" إنه "في الماضي كانت الجماعات الجهادية تتخوف من العناصر الإسبانية الجديدة التي اعتنقت الإسلام خشية أن تكون عناصر مدسوسة تسعى إلى اختراقها، لكنها اليوم تنظر إليها كهدف محتمل للاستقطاب بسبب الامتيازات التي توفرها العناصر الإسبانية الأصل مثل سهولة الحركة وتنفيذ العمليات دون إثارة شكوك السلطات الأمنية". ورغم اعتراف "أريستيجو" بوجود نسبة ضئيلة فقط من المسلمين الإسبان ممن ينتسبون إلى جماعات جهادية، حيث إنه من بين 200 مسلم اعتقلوا في إسبانيا على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر، أو تفجيرات مدريد، لم يكن ثمة سوى مسلم واحد من أصل إسباني، إلا أنه يرى أن نسبة المسلمين الإسبان الذين يؤيدون الأفكار المتطرفة في تصاعد مستمر. جيوف بينجري وليزا أبيند ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلا "كريستيان ساينس مونيتور" في إسبانيا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"