إذا كان البعض قد قدّر أن طرد إيان برونك، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، يمكن أن يقلل أو يضيق من موجات النقد الموجهة لحكومة الخرطوم وسياساتها لاسيما في دارفور، إذا كان ذلك هو ظن البعض، فإنه في الحقيقة مخطئ. إن جهاز الأمم المتحدة الباقي في السودان، والذي يملك حق الحضور في دارفور وغيرها، ما زال يرسل تقارير يومية عما هو جارٍ هناك، كذلك تفعل وكالات الأنباء العالمية مثل "رويترز" وغيرها، وتواصل بعثات الإغاثة التي ما زالت باقية في دارفور إرسال ما ترى وتسمع من أحداث ليس أغلبها مما يسر الحكومة السودانية الكشف عنه. آخر ما جاء من دارفور أن الحالة الأمنية تزداد تدهوراً وأنه لا يمر يوم دون أن يكون هناك قتلى وجرحى ومشردون، وأن مليشيات "الجنجويد" ما زالت نشطة في النهب والسلب بقوة السلاح، وأنها فيما تقول مدعومة من الحكومة التي فشلت حتى الآن في نزع سلاحها، وفق ما قررت اتفاقية "أبوجا" التي عقدت في مايو الماضي، ومن "التقارير" ما يشير إلى أن "الجنجويد" يمارسون نشاطهم في بعض المناطق تحت بصر القوات السودانية المسلحة وسمعها، فلا تتدخل تلك القوات لحماية الأهالي. ولما كان هذا الوضع غير مقبول داخل السودان وخارجه، فإنه ما زالت هناك مساعٍ دبلوماسية تجري تحت السطح في محاولة لإقناع حكومة السودان لتغير من موقفها الرافض لتنفيذ قرار مجلس الأمن ذي الصلة، والسماح بدخول قوات دولية إلى دارفور. وإن من أبرز تلك المحاولات التي تتبناها المنظمة الدولية وعواصم الغرب، هي وضع حل وسط في أمر القوات الدولية لا يغير من جوهر مهمتها، ولكن يضفي قدراً من التغيير الشكلي الذي يمكن أن يقنع الخرطوم بقبول القوات الدولية، ومن ذلك مثلاً ألا يرتدي أولئك الجنود الأمميون قبعات الأمم المتحدة، وأن يكونوا من بلدان آسيوية (إسلامية) وأفريقية، وأن تكون القيادة من دولة إسلامية أو أفريقية، ولكن المهم أن تكون قادرة على تحمل تبعات إعادة الأمن لولايات دارفور الثلاث. لقد تواترت الأنباء عن هذا الاقتراح الأخير وأشار إليه "أندرو نانسيوس" المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للسودان الذي ألمح إلى أنه يعتزم تقديم ذلك الحل الوسط لحكام الخرطوم عندما يجيء إليها خلال الأيام القليلة القادمة. الاقتراح لا يغير في جوهر المهمة ولا يبدل في مقتضيات قرار مجلس الأمن رقم 1706، ولكنه محاولة لوضع الأمر في إطار يمكن أن يقنع حكومة السودان بالتراجع عن قرارها الرافض لقبول قوات أممية في دارفور. إن رفض قرار الحكومة هذا يتسع كل يوم ويكسب أنصاراً جدداً، مما زاد من عزلة الحكومة التي يبحث الآن بعض عقلائها عن مخرج لتعديل تلك السياسة الرافضة للتوجه المدعوم خارجياً وداخلياً بصورة لا تمس ماء الوجه، كما يقولون. إنها محاولة جديدة قد تكون هي الأخيرة في مساعي الوصول إلى علاج لمحنة دارفور. محجوب عثمان