تاريخ التواطؤ الغربي في العراق ---------------- في شهر فبراير من عام 1991، وعقب حرب تحرير الكويت، ثار شيعة جنوب العراق ضد حكم صدام حسين، بعد أن ظنوا أن اللحظة المناسبة حانت يومئذ. وفي كتابه "شبكة الخداع: تاريخ التواطؤ الغربي في العراق"، يقدم "باري إم. لانداو"، منتج التحقيقات في برنامج "60 دقيقة" الشهير على شبكة "سي. بي.إس. نيوز" الأميركية، والذي كتب العديد من المقالات عن العراق وأنتج فيلماً وثائقياً عن صدام حسين تمت إذاعته في مختلف أنحاء العالم، يقدم وجهة نظر مُقنعة للغاية عما حدث أوائل تسعينيات القرن الماضي. يقول "لانداو" إن تلك الانتفاضة سيئة الحظ ليست إلا حالة واحدة من حالات التواطؤ الغربي مع جرائم نظام صدام حسين، والذي تحاول الولايات المتحدة وبعض دول غربية أخرى محاسبته ومحاكمته عليها اليوم. ويقول إن الشيعة قاموا بانتفاضتهم في ذلك الوقت استجابة لنداء من الرئيس الأميركي جورج بوش الأب كان يُبث بشكل متكرر من محطات إذاعية سرية أقامها الأميركيون حينئذ. كان بوش يؤكد للشيعة في نداءاته أن الوقت قد حان كي يتخلصوا من رجل حكمهم بالحديد والنار. واعتماداً على نداءات بوش الأب والتطمينات التي قدمها للشيعة، قام هؤلاء بانتفاضتهم الشاملة التي سارت بشكل جيد، مستفيدة من ظروف الفوضى التي سادت العراق بعد هزيمة جيشه في الكويت وعبور قوات الحلفاء إلى عمقه في الجنوب. في ذلك الوقت بدا أن تلك الانتفاضة على وشك النجاح، وأن نظام صدام قد فقد سيطرته على الأمور، وأن لحظة نهايته حانت، قبل أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فجأة، ودون سابق إنذار، بإدارة ظهورهم للشيعة بناء على أوامر بوش الأب الذي رأى أن التوغل في العراق أكثر من ذلك غير مأمون العاقبة وأن أوان التخلص من صدام لم يحن بعد، أو أنه من الأفضل إطاحته بأسلوب غير الأسلوب العسكري. ولم يكتف الجيش الأميركي وحلفاؤه بالانسحاب من جنوب العراق تاركين الشيعة تحت رحمة قوات صدام، وإنما قاموا بتدمير مخابئ أسلحة ضخمة للنظام كانت كفيلة لو وقعت في أيدي الشيعة أن تغير من مسار انتفاضتهم وأن تمكنهم من الوصول إلى بغداد كما كانوا يأملون. ونتج عن ذلك فشل الانتفاضة، ونجاح قوات صدام في استعادة زمام الأمور، لتنقض على المنتفضين بقسوة. ويقول المؤلف إن تفاصيل الدور الذي لعبه الأميركيون والحلفاء الغربيون في الجرائم التي ارتكبها صدام حسين، لم يكشف عنها في محاكمة صدام وذلك بسبب القيود التي وضعتها السلطات الأميركية على تفاصيل المحاكمة حيث لا تذاع الجلسات كاملة، ولا يتم الكشف عن كل التفاصيل، بل يتم قطع بث المحاكمة والتشويش على بعض مقاطعها وعلى بعض إفادات الشهود، إما لأسباب فنية أو لحجب معلومات استخبارية أو لحماية الشهود أو طاقم المحكمة... وغير ذلك من أعذار! ويكشف الكتاب أن الدولة الأعلى صوتاً في شجب ما تطلق عليه جرائم صدام ضد الإنسانية هي التي اختارته، وهي التي ساعدته، وهي التي عززت بقاءه في السلطة منذ صعوده إليها في ستينيات القرن الماضي، ثم بعد ذلك في السبعينيات وحتى أوان الإطاحة به ربيع عام 2003، كما أنها هي التي قدمت له الأسلحة التي حارب بها إيران للحيلولة دون انتشار وتصدير الثورة الخمينية، والتي رأت فيها أميركا تهديداً لمصالحها في المنطقة. وهي التي تغاضت أيضاً عن استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد شعبه فيما عرف بحملة "الأنفال" التي سكتت عليها في وقتها وتحاكمه الآن عليها. كما أنها هي التي أوعزت له باحتلال الكويت من خلال الحوار الغامض بين صدام نفسه والسفيرة الأميركية في العراق حينئذ "آبريل جلاسبي" التي قيل إنها قالت له إنه إذا ما قرر دخول الكويت فهذا شأنه، مما شجعه على الإقدام على مغامرته الكارثية. ويقدم المؤلف أيضاً بعض الأدلة على التواطؤ الأميركي في مسألة غزو الكويت فيقول إن الأقمار الاصطناعية الأميركية تمكنت في ذلك الوقت من رصد الحشود العسكرية بالقرب من الحدود الكويتية، وكان الخبراء العسكريون الأميركيون يدركون من الطريقة التي تم بها حشد هذه القوات أنها ستقدم على دخول الكويت، خصوصاً على ضوء التوتر القائم حينئذ على خلفية اتهام العراق للكويت بأنها تسحب بعض النفط من حقل "الرميلة"... رغم تلك الأدلة الساطعة على نية صدام غزو الكويت، فإن أميركا لم تفعل شيئاً للحيلولة دون ذلك، وكان في إمكانها أن تقوم بفعل ما لو أرادات. ويشير الكاتب أيضاً إلى قيام أميركا بإدارة ظهرها عندما قام صدام باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في "حلبجة"، كما أنها هي التي دفعت باتجاه فرض العقوبات عليه، وأصرت على الاستمرار فيها لفترة طويلة، حتى بعد أن ثبت لها أن تلك العقوبات لم تعد فعّالة، وأن نظام صدام ليس هو الذي يعاني منها وإنما الشعب العراقي الذي فقد عشرات وربما مئات الألوف من أبنائه لأسباب لها علاقة بالحصار وعدم توافر الأدوية والتجهيزات الطبية والمواد الغذائية. ويعتمد المؤلف في كتابه على عدد ضخم من التقارير والمقالات والتحقيقات الصحفية، وعلى ما يتمتع به من خبرة إعلامية طويلة، ليقدم لنا صورة شبه كاملة عما حدث في العراق تحت حكم صدام حسين، موضحاً بالتفاصيل، وربما لأول مرة، تفاصيل "التواطؤ الغربي في العراق"! سعيد كامل الكتاب: شبكة الخداع: تاريخ التواطؤ الغربي في العراق المؤلف: باري إم. لاندو الناشر: أزر برس إل.إل.سي تاريخ النشر: 2006