"الفكر العربي المعاصر": الديمقراطية والحداثة اشتمل العدد الأخير من مجلة "الفكر العربي المعاصر"، على باقة من الدراسات ذات الطابع الفلسفي العميق وغير البديهي كما هي العادة... ففي دراسة عن "السوق: أيديولوجيا الفراغ"، يفرد مطاع صفدي مساحة واسعة لتأملاته حول العلاقة بين السوق والعولمة والأيديولوجيا والتاريخ، موضحاً أنه من حيث المفهوم الفلسفي، فإن "الغات" هي أشمل عملية بيع في التاريخ، "أكبر صفقة مفروضة بدون اعتراض، على الجميع الذين يتحولون إلى جمهور من المشترين فحسب، مقابل بائع واحد". أما الصفقة فتقوم أساساً على "قبول المشترين بدفع أكلاف بضاعة وحيدة، اسمها برمجة التبعية التلقائية... في كنف عالمية أمست هي الاستبدادية المطلقة الحاوية لأسبابها ونتائجها في ذاتها". وكما يرى الكاتب فإن "تحرير الأمم جميعاً من كافة دفاعاتها، ما عدا حنكتها في البيع والشراء"، ودفعها إلى "عراء المنافسة وحده"، ليسا سوى ترجمة أمينة تماماً لنموذج "الغاب الابتدائي الجديد"، أي أيديولوجيا الفراغ. وفي هذا الفراغ فإن اختراع "أقنوم السوق" وأسطرته بكل وسيلة، جاء بمثابة خشبة الإنقاذ الوحيدة، وقد سمح للبعض أن يبشر بانقضاء عصر الدولة وعصر الديمقراطية معها، وذلك هو "الفراغ" الذي قصده مطاع صفدي. وفي دراسة عن "جذور الفكر الاستبدادي في العقل السياسي الحديث"، يوضح منصف عبدالحق أن أهم ميزة للحداثة السياسية كونها حصرت مجال السياسي وعزلته في ذاته، لقد فكرت فيه عبر استجلاء خصوصيته وأسسه وآلياته المؤسسية. هكذا سعى العقل السياسي الغربي الحديث، مع ميكيافيلي وهوبز ولوك، إلى تأصيل مبادئ الدولة والسلطة السياسية بشكل يضمن للحقل السياسي استقلاله عن الحقل الديني والأخلاقي على الخصوص. غير أن الباحث يصل إلى أن التأصيل العقلاني لمفاهيم الدولة والسلطة السياسية والسيادة في العقل السياسي الحديث، لم يكن دوماً تأصيلاً لمبادئ الحرية السياسية والحقوق البشرية، بل انتهى مراراً إلى إضفاء الشرعية أيضاً على فكرة الاستبداد السياسي، خاصة مع ميكيافيلي وبودان وهوبز. أما ياسين الحاج صالح فيقدم مقاربة للعلاقة بين "الليبرالية والديمقراطية والحداثة السياسية"، ليبين أن الليبرالية هي الأساس، بمعنى أن "استدامة الديمقراطية تجد أفضل فرصها بقدر ما تنتشر وتترسخ القيم والإجراءات الليبرالية". فالليبرالية بما هي تعني الدستور وفصل السلطات وحقوق الأفراد وحكم القانون وحرية الضمير والاعتقاد والتسامح الديني... ضرورية لمقاومة الإغراء الشعبوي الذي قد ينزلق بالديمقراطية. أما الديمقراطية ذاتها فتعني سيادة الشعب والانتخابات الحرة والتصويت العام والتصحيح السياسي المستمر لعمل السوق... ومن ثم فهما مفهومان تاريخيان لم ينفصلا عملياً. لكن الكاتب ينتهي إلى أن الشرط الأمثل للديمقراطية والليبرالية هو "نمو الطبقة الوسطى واتساعها، بما يجعل منها متن المجتمع وأكثريته ومركز توازنه". Foreign Affairs "شرق أوسط جديد" قضايا سياسية عدة شملها العدد الأخير من دوريةForeign Affairs التي تصدر كل شهرين عن "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي. وتحت عنوان "شرق أوسط جديد"، كتب "ريتشارد هاس" مقالاً خلص خلاله إلى استنتاج مفاده أن عصر الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط قد انتهى، وأن ثمة عصراً جديداً بدأت تباشيره في المنطقة، لكن بقوى جديدة وفاعلين جدد، يتنافسون من أجل فرض نفوذهم داخل المنطقة، وفي هذا العصر سيكون على واشنطن الاعتماد على الدبلوماسية أكثر من اعتمادها على القوة العسكرية. "هاس"، وهو رئيس "مجلس العلاقات الخارجية"، يرى أن العولمة قد غيرت المنطقة، ولم يعد صعباً على التيارات الراديكالية الحصول على السلاح أو الأتباع أو حتى الأفكار، فالعالم العربي تحول بفضل التقنيات الإعلامية الجديدة إلى "قرية إقليمية"، مما يؤدي إلى تسييس المنطقة أكثر فأكثر. وفي ظل مشاهد العنف في العراق وفلسطين ولبنان، سيكون من الصعب على حكومات المنطقة التعامل مع الولايات المتحدة، خاصة وأن نفوذ هذه الأخيرة داخل المنطقة آخذ في الضَّعْف. الكاتب طرح بعض التوقعات منها أن النفوذ الأميركي سيتواصل في المنطقة، وسيصبح هو الأقوى مقارنة بدول كبرى أخرى. وأن واشنطن ستواجه منافسة من قوى أخرى كأوروبا والصين وروسيا، وضمن هذا الإطار، تتبنى هذه القوى المنافسة رؤى مغايرة لرؤى واشنطن، على سبيل المثال، تتبنى أوروبا سياسة مختلفة عن الولايات المتحدة تجاه العراق والقضية الفلسطينية. وعلى عكس الولايات المتحدة، تقاوم روسيا فرض عقوبات اقتصادية على إيران، كما تنأى موسكو وبكين بنفسيهما عن خطط واشنطن للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط. الكاتب يرى أيضاً أنه في المستقبل القريب، سيكون من الصعب الدخول في عملية سلام عربية- إسرائيلية، وأن العراق سيعج بالفوضى خلال السنوات المقبلة. وتحت عنوان "من إدارة الصراع إلى حله"، كتب "إدوار بي. جيرجيان" مقالاً استنتج خلاله أن الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت تحدياً رئيسياً لأميركا في الشرق الأوسط، لكن هذه الحرب شكلت في الوقت نفسه فرصة لواشنطن. "جيرجيان"، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركية في شؤون الشرق الأدنى، يرى أنه بمقدور واشنطن انتهاز فرصة وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل ولبنان والدخول في مفاوضات لإحلال السلام الدائم بين العرب وإسرائيل. وحول الحرب الإسرائيلية- اللبنانية أيضاً، كتب المحلل العسكري الإسرائيلي الشهير "زئيف شيف" مقالاً أوضح خلاله أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت خريف عام 2000، شغلت رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك عن التفكير في شن هجوم موسع على "حزب الله" بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، والنتيجة أن الحزب بدأ في تخزين الأسلحة وتكديسها منذ عام 2000. "شيف" أشار إلى أن الحرب الأخيرة ليست سوى بداية لحرب إسرائيلية- إيرانية جديدة، خاصة وأن قادة إسرائيل ينظرون لـ"حزب الله" على أنه وحدة من وحدات "الحرس الثوري" الإيراني.