في ظل استمرار المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، حملت الصحف المحلية، مؤخراً، انتقادات لاذعة، صادرة عن شخصيات رسمية وخبراء، لهذه الاتفاقية معتبرين أنها "غير عادلة" ولا تصبُّ في مصلحة الدولة. وجهة النظر هذه جاءت أيضاً في تقرير تلقّته المؤسسات الاقتصادية في الدولة، هذا العام، وصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" يحذر من التوجّه لتوقيع اتفاقيات شراكة واتفاقيات تجارة حرة ثنائية من بعض الدول المتقدّمة اقتصادياً ومنها الولايات المتحدة، إذ إن خطورة مثل هذا التوجّه لا تكمن فقط في السرعة التي يتم بها عقد هذه الاتفاقيات، بل أيضاً في نوع الالتزامات التي تفرضها هذه الاتفاقيات. في تطور آخر يدعم وجهة النظر المعارضة وما ورد في تقرير "الإسكوا"، على حد سواء، نشر مكتب الإحصاءات الأميركي، مؤخراً، بيانات التجارة الأميركية- الإماراتية خلال الشهور الثمانية الماضية، والتي بلغ حجمها أكثر من 32 مليار درهم، بواقع أربعة مليارات درهم شهرياً، بينما بلغ حجم العجز التجاري لمصلحة الولايات المتحدة خلال هذه الفترة أكثر من 25 مليار درهم، ما يعني أن ما يقرب من 80% من حجم التجارة بين البلدين هو عبارة عن عجز لمصلحة الولايات المتحدة، بل إن هذا العجز في زيادة مستمرة، حيث قفز بنسبة 60% خلال الشهور الثمانية الماضية، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي. وإذا كان الميزان التجاري بين البلدين مختل لغير مصلحة الإمارات، بهذا الشكل الكبير في إطار الحدود الدنيا من الحماية الجمركية، فإن الوضع بلاشك سيكون أكثر سوءاً مع منطقة تجارة حرة تقدم للسلع الأميركية مزيداً من التسهيلات والحوافز لدخول الأسواق المحلية. النتيجة الأساسية التي يمكن الخروج بها من هذه المعطيات جميعها هي ضرورة التروّي بشأن اتفاقية تحرير التجارة مع الولايات المتحدة، خاصة أن دولة الإمارات غير مضطرة ولا مطالبة بحسم هذه الاتفاقية في فترة زمنية محددة، كما أنها تفاوض الولايات المتحدة وهي في موقف قوي، كونها ثاني أكبر اقتصاد عربي. وإذا كان الاقتصاد العماني أو البحريني، ومن قبلهما الاقتصاد الأردني والاقتصاد المغربي، تسمح جميعها بحسم اتفاقها مع الولايات المتحدة بسهولة نسبية، فإن الوضع بالنسبة إلى دولة الإمارات، يبدو أكثر تعقيداً، ويتطلب مزيداً من الوقت والحوار. إن أي تنازلات يقدّمها المفاوض الإماراتي يجب ربطها بحجم التنازلات التي ستقدّمها الولايات المتحدة خلال المفاوضات، كما يجب البحث عن ضمانات وشروط تحقق التوازن في المصالح عبر موازنة المكاسب والتكاليف، حتى لا تفتقر هذه الاتفاقية إلى النديّة في العديد من جوانبها، خاصة في مستوى الكفاءة الإنتاجية. في ظل التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها دولة الإمارات حالياً، فإن مثل هذه الاتفاقية يجب أن تضع الأولوية لنقل التقنية والمهارات والمعرفة وبناء صادرات تنافسية وأسواق تصدير. وقبل ذلك كله، على المفاوض الإماراتي، التركيز على دراسة تجارب الدول العربية، والخليجية خاصة، التي توصلت إلى اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، إذ إن هناك العديد من الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من هذه الاتفاقيات، خاصة بعد أن اعترفت بعض هذه الدول صراحة بأنها تسرّعت كثيراً في القبول ببنود لا يمكن تنفيذها، في الوقت الراهن على الأقل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية