إذا كنت كثير الاطلاع على الصحف، أو متابعاً وفياً لشاشة التلفزيون طيلة الشهر الماضي، فلا شك أنك تعرف أمرين أساسيين حول ما جرى يوم الثلاثاء. الأول اعتقاد الديمقراطيين في واشنطن بأنهم قادرون على استعادة سيطرتهم على مجلس النواب، وربما حتى مجلس الشيوخ، بينما يعترف "الجمهوريون" بأنهم سيخسرون لا محالة بعض المقاعد ليبقى السؤال الأهم ما إذا كان ذلك سيؤدي بهم إلى فقدان الأغلبية في كلا المجلسين بالكونجرس. والأمر الثاني الذي يدركه كل متابع لوسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة يتجلى في الربط بين الحرب في العراق ونتائج الانتخابات التشريعية. فحسب استبيانات الرأي التي أجريت مؤخراً عبر 60% من الأميركيين عن اعتقادهم بأن الحرب لا تسير على ما يرام، وهم لذلك يريدون معاقبة الحزب "الجمهوري" لأنه جر الأمة إلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. والنتيجة أن "الديمقراطيين" حصلوا على الأغلبية في "مجلس النواب". وإذا كنت حديث المتابعة لوسائل الإعلام، فعليك تحديث الكثير من معلوماتك في مجال الانتخابات، لا سيما فيما يتعلق بالفضائح التي هزت الحزب "الجمهوري" مثل قضية التحرش الجنسي وغيرها. لكن إذا ركزت فقط على المواضيع الإعلامية التي صبت اهتمامها على من سيسطر في النهاية على الكونجرس، أو القضية الثانية المتصلة بالعراق، فاعلم أنه لم يفتك الكثير لأنها كلها مواضيع تطرقت إليها وسائل الإعلام على نحو دائم ومتكرر. وأرجو ألا تعتقد بأن هذا المقال هو من عينة المقالات التي تمتلئ بها الصحف والمجلات وترصد حمى الحملة الانتخابية أثناء تصويت الناخبين الأميركيين. ولا يعني ذلك أنه على وسائل الإعلام التزام الصمت إزاء ما يجري من أحداث داخل البلاد، بل لها كامل الحق في تغطية الانتخابات التشريعية وتسليط الأضواء الكاشفة عليها. فالتغيير الذي يتم الحديث عنه بشكل متواصل سيكون له أثر كبير في الولايات المتحدة. غير أن ما أعيبه على التغطية الإعلامية لسباق الانتخابات خلال السنة الجارية هو غياب السياق الذي يفسر التغيير ودلالته الحقيقية في حال حدوثه فعلا. فرغم الرغبة التي تحدو العديد من الأميركيين لتغيير استراتيجية الحرب في العراق، والغضب الذي يشعرون به جراء تعثر الأمور هناك وتردي الأوضاع، فإنه ما لم يقم أحد بتغيير الدستور لن يستطيع القادة الجدد الذين سيلتحقون بالكونجرس الأميركي إحداث التغيير المنشود. فمعلوم أن الكونجرس لا يستطيع بمفرده إعادة الجنود إلى أرض الوطن، بينما الرئيس يستطيع ذلك. وصحيح أن الكونجرس قادر على وقف تمويل القوات الأميركية في العراق، إلا أنه من غير المرجح أن يقدم النواب "الديمقراطيون" على وقف التمويل في وقت يرفع الخصوم السياسيون شعار "اكره الحرب، لكن ساند الجنود". لذا فإن تأثير سيطرة "الديمقراطيين" على الكونجرس في تغيير مسار الحرب في العراق يبقى محدوداً وغير فعال. لكن ذلك لم يمنع وسائل الإعلام من مواصلة تركيزها على التغيير المرتقب في أحد مجلسي الكونجرس، أو كليهما. فأي بحث بسيط على محرك البحث "جوجل" يبرز الكم الهائل من المواضيع المرتبطة بالانتخابات والعراق، حيث يظهر إدخال كلمات "2006", و"الانتخابات"، و"العراق" ما لا يقل عن 6450 رابطا. ويحتل المرتبة الثانية موضوع "الانتخابات والاقتصاد" بحوالي 3730 رابطا، ثم تأتي بعد ذلك مواضيع أخرى متنوعة من حيث التغطية الإعلامية مثل البيئة والرعاية الصحية والهجرة التي تستأثر على انتباه الأميركيين. ورغم أن الأرقام المقدمة أعلاه قد لا تثبت علميا الحجم الحقيقي للتغطية الإعلامية لتلك القضايا، فإن متابعة حثيثة للمواضيع الرئيسية التي تصدرت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة ستشير إلى صحة تلك الأرقام، وخاصة فيما يتعلق بموضوع العراق الذي يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الأميركيين. ولا يعني ذلك أن الصحف تبالغ في تغطية موضوع العراق وربطه بالانتخابات؛ فحسب استطلاعات الرأي يعتقد معظم الأميركيين أن العراق هو القضية الأولى التي تشغلهم. لكن ما أن تتأكد نتائج الانتخابات وتهدأ حمى السباق الانتخابي حتى تستأنف الحياة السياسية روتينها اليومي. وحتى إذا استمر العراق في الهيمنة على عناوين الصحف والنشرات الإخبارية فإن قضايا أخرى ستظهر إلى جانبه وستحتل مراكز متقدمة في الاهتمام الإعلامي. ولعل أهمها المؤتمر الذي ترعاه الأمم المتحدة حول مراقبة المناخ في كينيا الذي يتناول تأثير احترار الأرض على القارة الأفريقية. وسيستقبل بوش اليوم في البيت الأبيض الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون. فقد جمعت الرئيس بوش علاقات جيدة مع الرئيس المكسيكي السابق فسينتي فوكس إلى غاية الاختلاف بين الرجلين حول قضية الهجرة، ليبرز السؤال الأساسي إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟ واليوم ستصدر أيضا أرقام جديدة حول الميزان التجاري الأميركي، فضلاً عن المؤشرات الأخيرة لمعدل الاستهلاك الأميركي الذي يقيس الشعور العام إزاء الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة. وهي قضايا ستجعل وسائل الإعلام تتعامل معها وتنشغل بها لفترة طويلة، علاوة على النظر في كيفية تأثير التركيبة الجديدة للكونجرس عليها. لذا كنت أود أن تُطلع وسائل الإعلام الناخبين الأميركيين قبل الإدلاء بأصواتهم على طبيعة التغيير الذي تتحدث عنه وكيف سيؤثر على القضايا المهمة بدءا من العراق وليس انتهاء بالاقتصاد، بدل الاكتفاء بالتبشير به دون فهم حقيقته. ـــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"