من المتوقع مع دخول فصل الشتاء، وانخفاض درجة الحرارة في أفغانستان، أن تنخفض حدة التمرد في هذا البلد الذي مزقته الحروب، مما يساعد على توفير فترة هدنة كافية لقوات الولايات المتحدة وقوات حفظ السلام التابعة لحلفائها من دول "الناتو" العاملة هناك والتي يزيد عددها عن 30 ألف جندي. وسيكون ذلك أيضاً هو الوقت المناسب لإقدام الولايات المتحدة وتلك الدول على مواجهة مسألة عاجلة لم يتم حلها حتى الآن وهي تلك المتعلقة بما يتعين عمله مع مقاتلي "طالبان" الذين يتم أسرهم. والقتال الذي اندلع خلال الصيف الماضي في جنوب أفغانستان تميز بدخول قوات "الناتو" في معارك أرضية، وهي مهمة كانت قد تُركت في السابق للقوات الأميركية. في الوقت الحالي يضطلع 7000 جندي من كندا وبريطانيا وهولندا بصد الهجمات التي تشنها قوات "طالبان" المتمردة، وهي مهمة صعبة أدت إلى إرهاق الحلف سياسياً ولوجستياً، كما وضعت أعضاء "الناتو" أمام حقيقة غير مريحة وهي أن القتال يعني غالباً أسر مقاتلين وسجنهم. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تضطلع بمهمة سجن المقاتلين والأشخاص في أفغانستان منذ بعض الوقت، وهي حقيقة ساهمت في تعقيد المشكلة الحالية التي تواجهها قوات "الناتو" في هذا الشأن. يرجع سبب ذلك التعقيد إلى أن الشعب الكندي والشعوب الأوروبية قد استاءت كثيراً بسبب التقارير العديدة عن الانتهاكات التي تعرض لها السجناء في سجون الولايات المتحدة، ولا تريد أن تكون لجيوشها علاقة بما يعتبرونه تجاوزات أميركية. ففي بروكسل وأوتاوا تعتبر كلمات مثل "باجرام" و "خليج جوانتانامو" من الكلمات القذرة. جوهريا يمكن أن يًُقال أن دول حلف شمال الأطلسي، قد نأت بنفسها عن موضوع المحتجزين، وذلك عندما أبرمت الحكومات البريطانية والكندية والهولندية- قبل أن تنشر قواتها في مناطق القتال- اتفاقيات مع الحكومة الأفغانية تنص على أن أي مقاتلين يتم أسرهم سيتم تسليمهم إلى السلطات الأفغانية بدلاً من القوات الأميركية. وهذه الاتفاقيات تعني أن قوات "الناتو" لا يوجد لديها أي نظام لإجراء تحقيقات منتظمة مع مقاتلي "طالبان" لأغراض استخبارية، وهو ما كان يجعلها- كلما كان ذلك ممكناً- تضطر إلى تكليف القوات الأفغانية العاملة معها بتولي مسؤولية استقبال السجناء. أما في حالة عدم إمكانية ذلك، فإنهم كانوا يحتفظون بالأسرى في منشآت مؤقتة انتظارا لتسليمهم إلى السلطات الأفغانية وهو ما كان يجب أن يتم خلال 96 ساعة من القبض عليهم وفقا للقواعد المتبعة في حلف "الناتو". وهذه المدة قصيرة جداً في الحقيقة ولا تكفي حتى للتعرف على شخصية المقاتلين الذين يتم احتجازهم علاوة على أن تلك القوات تفقد أي أثر لهؤلاء السجناء بمجرد تسليمهم إلى الأفغان. من هنا يمكن القول إن هذه السياسة ليست جيدة ليس فقط لأن قوات "الناتو" تتخلى عن حقها في الحصول على معلومات استخبارية من خلال التحقيقات التي كان يجب أن تجريها مع هؤلاء السجناء، وإنما لأن هؤلاء السجناء كانوا يجدون أنفسهم في نهاية المطاف داخل السجون الأفغانية التي لا تتوافر فيها التجهيزات الكافية والتي تعج بالانتهاكات. ويذكر في هذا السياق أن خبيرا تم إرساله لتقييم نظام السجون الأفغانية كان قد توصل إلى خلاصة مؤداها أن "البنية الأساسية المادية لهذه السجون قد دمرت فعلياً". كما يذكر أيضاً أن عدة آلاف من السجناء قد قاموا في شهر فبراير الماضي بأعمال شغب في أكبر سجون كابول وأسوأها سمعة وهو سجن" بول ئي شرقي" بسبب الظروف السيئة والتي لا تحتمل داخل السجن. يمكن الخروج من هذه المشكلة من خلال إنشاء مركز اعتقال عصري تديره الحكومة الأفغانية ويتم مراقبته عن كثب من قبل جنود "الناتو" وضباط استخبارات دول الحلف بما فيهم الأميركيون. على أنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار في هذا السياق أن التعامل مع المعتقلين، واستجوابهم بشكل منتظم سيشكل خطوة نفسية صعبة للعديد من الدول الحليفة لأميركا. فهذه الدول كانت تريد التركيز على بناء منازل ومدارس للأفغان وليس سجون كما أنها لا تريد أن يتم ربطها بأي حال من الأحوال بفضائح السجون التي تلاحق القوات الأميركية في كل مكان. هذا ما كانت تلك الدول تريده أصلاً، أما الوضع على الأرض الآن، فهو أن قوات "الناتو" مستغرقة تماماً في مواجهة تمرد "طالبان" ولا تستطيع أن تتظاهر بغير ذلك، كما أنه ليس هناك ما يدعوها لذلك في الأصل، خصوصاً أنه لا توجد هناك أي مادة في معاهدات جنيف الخاصة بأسرى الحرب، تمنع تلك الدول من استجواب المعتقلين بشكل إنساني. الولايات المتحدة من جانبها، لن تستطيع العمل بشكل وثيق مع حلفائها في حل مشكلة المعتقلين، إلا إذا ما تخلت عن تفسيراتها المبتسرة لاتفاقيات جنيف وتعهدت بعدم إرسال الأشخاص المعتقلين في السجون الأفغانية إلى جوانتانامو أو ترحيلهم إلى دول مشهورة بالتعذيب. الشيء الذي قد يكون أهم من ذلك كله هو أن يعترف كبار المسؤولين الأميركيين بالأخطاء السابقة التي ارتكبوها في حق المساجين، وأن يعملوا على إقناع حكومات وشعوب البلاد الحليفة أن تعاونهم في مشكلة المساجين لن يعني التخلي عن القيم التي يؤمنون بها في هذا الشأن. في رأينا أن الوقت قد حان أمام "الناتو" كي يقوم بصياغة نهج محدد للتعامل مع هذه المشكلة خصوصاً أن قوات الدول الأوروبية والقوات الكندية تتعرف سريعاً الآن على الحقائق المربكة المرتبطة بخوض قتال ضد تمرد وحشي، كما أن الولايات المتحدة تتعرف- وإن كان ذلك على نحو بطيء - أن إتباع سياسة أخلاقية في التعامل مع السجناء يصب في النهاية في صالحها وأنه ليس هناك من طريقة أفضل للتعامل مع هذه الحقائق إلا من خلال الحلف الذي يضم ديمقراطيات ليبرالية ويعتبر أقوى حلف في العالم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة" لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"