يطلقون في تركيا على التصادم المحتم بين هذه الدولة الإسلامية وأوروبا التي ظلت تغازلها لأربع سنوات تصادم القطار؛ فهؤلاء الذين كانوا يقومون بقياس منسوب برنامج تركيا الواعي للإصلاحات، والذي كان يهدف إلى تحديث ديمقراطيتها وتسهيل انضمامها للاتحاد الأوروبي يرون أمامهم الآن مشهداً مثيرا ًللقلق حيث يتم اقتياد الكتاب والصحفيين، بل وحتى أكاديمي متقاعد يبلغ من العمر 93 عاماً إلى المحاكم بتهمة إهانة الدولة التركية، كما أن العديد من قادة الجيش التركي المعروف بقيامه بشن الانقلابات يقومون الآن بتوجيه تهديدات مبطنة. أما المشاعر القومية التركية المعادية للغرب، فتشهد تصاعدا مطرداً، والإسلام "المحافظ" يزداد انتشاراً كما أن نسبة الأتراك الذين يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وصلت إلى أدنى حد وصلت إليه في تاريخها. علاوة على ذلك تغيرت مواقف الكثير من الدول الأرووبية بشأن الترحيب بهذه الدولة الفقيرة المسلمة فعلياً والتي يسكنها 70 مليوناً من البشر إلى اتحادهم الذي يضمن 25 دولة. واليوم سيصدر الاتحاد الأوربي تقريره السنوى الخاص بمدى التقدم الذي حققته تركيا في برنامج إصلاحها. ومن المتوقع أن يشتمل تقرير هذا العام على انتقادات حادة لتركيا بسبب عدم قيامها بخطوات كافية من أجل تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وإتاحة حرية التعبير ومجال توفير الحقوق الثقافية للأقلية الكردية، وسيطرة المدنيين على المؤسسة العسكرية، وذلك حسب ما جاء في بعض الأجزاء التي تسربت من هذا التقرير. والخطر كما يقول الدبلوماسيون يكمن في صعوبة إحياء الحملة المعقدة للانضمام للاتحاد الأوروبي بعد هذه الفجوة بين ما وعدت به تركيا في سبيل هذا الانضمام وما قامت بتحقيقه بالفعل. وعواقب ذلك ستكون وخيمة لكل من واشنطن والغرب ناهيك عن أنقرة بالطبع. فحدوث انتكاسة للجهود التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من توتير العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، وهو ما سيعني عملياً إنهاء دور تركيا كجسر بين الحضارتين. وهذا الدور تحديداً أي دور الجسر بين الحضارتين هو الذي جعل من موضوع انضمام تركيا للاتحاد جذاباً للغاية من قبل الدول الغربية. تعليقاً على ذلك يقول "سولي أوزيل" المتخصص في شؤون العلاقات الدولية بجامعة "بيليجي" في اسطنبول: "ليس هناك شك في أن فشل الجهود التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى حدوث قلاقل هنا، ولكن الاتحاد الأوروبي لن يخرج من المسألة دون أن يطاله الضرر". ويذكر أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبعد أن بدأ بداية مبشرة على طريق الإصلاح راح، يبطئ خطواته في ذلك الشأن تدريجياً، وهو ما يرجع جزئياً إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجري العام المقبل. فمساعدوه يقولون إنه غير راغب في استفزاز "القوميين" الأتراك العلمانيين الذين كانوا يشكون في ميوله الإسلامية وخائفين من أن تؤدي التنازلات التي أقدم على تقديمها للاتحاد الأوروبي إلى تآكل الهوية القومية التركية في نهاية المطاف. وقام أردوغان يوم الأحد الماضي باستقبال مجموعة من الناشطين ووعدهم بإجراء تعديل على المادة رقم 301 من القانون الجنائي التركي، وهي مادة تم تفعليها العام الماضي واستخدمت بواسطة مجموعة من المحامين القوميين المتشددين في تقديم العشرات من الأكاديمين والكتاب للمحاكمة كان من بينهم "أورهان باموك" الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب هذا العام. وقد اعترف أردوغان بأن هذه المادة غامضة وأنه سيعمل على تعديلها غير أن كبار المسؤولين الأتراك والدبلوماسيين الأجانب في تركيا يقولون إن أردوغان عاجز فعلياً عن الحركة بسبب خوفه من خسارة أرض سياسية أمام القوميين الذين يرون أن تلك المحاكمات تعتبر وسيلة مناسبة لحماية العزة القومية لتركيا، واحتواء السخط الذي ينتاب فئات عديدة من الشعب. وهؤلاء "القوميون"، الذين قام آلاف منهم بمسيرة في شوارع أنقرة، الأسبوع الماضي يشتكون من ميول أردوغان الإسلامية ويتهمونه بأنه هو الذي دافع عن حق النساء في ارتداء الحجاب في الجماعات والمكاتب الحكومية، وهو موضوع ملتهب وحساس بالنسبة للعلمانيين الأتراك كما يتهمونه أيضاً، بأنه قد عزز نفوذ المدارس الدينية ووضع زملاءه في العديد من الوظائف الحكومية الكبيرة أو قام بتعيينهم كمستشارين في الدائرة الضيقة المحيطة به وترتب على ذلك كما يذهب العلمانيون في اتهاماتهم أن بعض البلديات التي يسيطر عليها حزب "أردوغان"، قد حاولت منع بيع المواد الكحولية. وهؤلاء الذين يشكون في أن "أردوغان" لديه أجندة سرية قلقون من احتمال قيامه بالسعي إلى منصب الرئيس في شهر مايو القادم الذي سيتقاعد فيه الرئيس التركي العلماني الحالي أحمد نجدت سيزر. وفي حالة نجاح حزب "أردوغان" في إبقاء سيطرته على البرلمان بعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شهر نوفمبر القادم فإن المحللين يتوقعون أن الإسلاميين سيكونون قادرين بذلك على الإمساك بمقاليد القوة السياسية، وهو ما سيمكنهم من تمرير القوانين التي تتفق مع أهدافهم في نشر الإسلام في المجتمع. وفي تقرير الاتحاد الأوروبي المشار إليه يتوقع أن يقوم الاتحاد بتوجيه انتقادات لتركيا بشأن موضوع قبرص حيث يطالبها الاتحاد بفتح موانئها البحرية والجوية أمام قبرص، وهي دولة عضو في الاتحاد وهو ما ترفضه تركيا. ويعترف المسؤولون الأتراك المقربون من "أردوغان" أن تركيا ما زال أمامها طريق طويل يتعين عليها قطعه، حتى تستطيع الوفاء بالشروط والمعايير التي يطلبها الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من الخطوات المهمة والمؤلمة التي قامت تركيا باتخاذها في هذا المجال. ويعتقد بعض الأتراك أن أوروبا قد قررت أنها لا تريد تركيا، ولكن لم يتوافر لديها حتى الآن الشجاعة كي تقول ذلك. وهم يستدلون على ذلك بالهبوط السريع والمستمر في الدعم الشعبي لدول الاتحاد الأوروبي لمسألة انضمام تركيا للاتحاد، ففي العام الماضي كان ثلاثة أرباع من أجري عليهم الاستفتساء يحبذون انضمام تركيا إلى الاتحاد أمام الآن، فإن هذا العدد هبط إلى النصف. يعلق "محمد كوماكرو"، وهو صاحب محل بقالة في ضاحية جلطة التاريخية في اسطنبول على ذلك بقوله: "إنهم يحاولون إذلال تركيا، إننا استمرار لامبراطورية عظيمة سادت لمدة 600 سنة وهم الآن يحاولون معاملتنا وكأننا تلاميذ مدارس". ـــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست