بحسب الترجمة الحرفية لما نقلته مجلة "التايم" عن خطبة الإمام المسلم في أستراليا، تاج الدين الهلالي، فإنّ ما قاله الهلالي في أثناء موعظة قدّمها أثناء صلاة التراويح في شهر رمضان، هو: "إذا ما أخذت لحماً غير مغطىً، ووضعته في الخارج أو على الشارع، أو في الحديقة، أو في منتزه عام، أو في فناء البيت الخلفي، دون تغطيته، ثم جاءت القطط وأكلت منه، فذنب من ذلك –هل هو ذنب القطط أم اللحم المكشوف؟". هذا الخطاب ذكَّرني، بالعديد من خطباء يوم الجمعة، الذين حدث أن حضرت خطبهم في بلدان عدّة، وفترات زمنية مختلفة، أحدهم وكان أكثرهم صدمة لي، كان خطيباً في مسجد في بلد أوروبي، لم أصدِّق أني أسمعه بشكل صحيح، ولم يصدِّق آخرون آذانهم، فجاء أحدهم بعد الخطبة يسألني هل حقاً قال الخطيب، إنّه يجب أن نكره الشجر والبشر والحجر في هذه الدولة؟ ولحسن الحظ أنّ الخطيب كان يتحدث بالعربية، فلم يفهمه كثيرون بمن فيهم المصلُّون غير العرب، ولحسن الحظ أيضاً أنّ بعض المصلِّين، ولم أكن منهم، كانوا إيجابيين، فتحركوا واتصلوا بالقائمين على المسجد وأبدوا احتجاجاً شديداً، تكرر، حتى تم منع ذلك الخطيب من الخطابة، وجاء في الأسبوع التالي من يتحدث بلغة تلك الدولة، يوضِّح أن من دخل ذلك البلد، فقد التزم بميثاق وعهد معه، عندما قدّم طلب التأشيرة للدولة، وأخذ جنسيتها؛ بأن يحترمها ويحترم عهودها ومواثيقها، لاسيّما إن كانت هذه الدولة، آمنته من خوف، وأطعمته من جوع، وتحدَّث الخطيب الجديد أنّ المتحدثين عن الكراهية الواجبة لغير المسلمين مخطئون يعبرون عن نفس مريضة، فالإسلام أباح الزواج من الكتابية، والرسول عليه الصلاة والسلام تزوج من غير المسلمات، فهل يعقل أن يتزوج شخص ويصاهر من لا يحبهم. وبعيداً عن النماذج الشبيهة في البلدان العربية التي لابد أن غالبية القراء تعرف، وعاش بعضها، مثلما عاشت نماذج مضيئة، كنموذج الخطيب الثاني، أعلاه، فإنّ خطاب "الهلالي" وما شابهه في المساجد وخارجها، يثير عدة قضايا مهمة. أولها، أنّ التشبيهات والاستعارات الأدبية والمقولات الشعبية، التي يستخدمها سياسيون ودعاة قد تبدو بليغة، وسليمة من ناحية التركيب المنطقي المجرد، وقد تبدو للعامة والبسطاء جذّابة فتستقطب جمهوراً، ويصبح الخطيب نجماً مشهوراً تشد لسماعه الرحال، ولكن هذه التشبيهات والاستعارات فيها الكثير من السطحية وعدم العقلانية، فيتم إجراء قياس غير صحيح، كتحميل وزر اعتداء الرجل على المرأة للمرأة بزعم أنّها لم تحافظ على نفسها، وقد رأينا في العالم العربي نماذج تحمِّل حتى محجبات وزر أي تحرش بهن، وهو ذات العقل الذي يؤيد قتل التي تتعرض للاغتصاب، أو يجعلها موسومة بالعار وينبذها. فالقضايا السياسية والاجتماعية تجدر معالجتها بدقة وتأنٍ بعيداً عن الخطاب الشعبوي، والتشبيهات السوقية، وحتى الأدبية والشعريّة. القضية الثانية التي تثيرها مثل هذه التصريحات، هي حجم الحقد والكراهية التي يحاول البعض بوعي أو عن جهل إشاعتها، وأذكر هنا قول أحد الخطباء في الأردن، وعلى مدى سنوات في خطب الجمعة، "وتواصوا بالحقد جيلاً فجيلاً حتى يعرف الحقدُ للسيوف سبيلاً". القضية الثالثة، التي تثيرها مثل هذه الخطب، هي الشروط والمؤهلات الواجب تواجدها في الأئمة والخطباء، سواء أكان ذلك في الدول العربيّة أم في الغرب، وتؤكد مثل هذه "المواعظ" صوابية متابعة وفحص ما يقوله الخطباء، الذين قد يحرِّف بعضهم الدين عن مقاصده. القضية الرابعة، هي أنّ مثل هذا الخطاب المتشنج، إنما هو في جزء منه، إفراز للأزمات التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية، بدءاً بالأزمة الفلسطينية، التي لا يبدو أنّ أحداً يفعل ما يكفل حلها، أو تسويتها، بسبب الإصرار الدولي على حماية الكيان الإسرائيلي، بكل ما يشيعه من كراهية وعنصرية وعنف، ولدت كراهية وعنصرية وعنفاً، تضاف لذلك أزمات التنمية وكبت الحريّات، ويضاف الخطاب الرسمي العربي، الذي يصل أحياناً لمضمون فاسد بذات سوء الخطاب الشعبوي المشابه للنماذج أعلاه، أو حتى يفوقه سوءاً.