باعتراف العديد من "المحافظين الجدد" البارزين في العدد القادم لمجلة "فانيتي فير" الأميركية بأن الحرب في العراق كانت كارثة يكون النقاش الدائر حول "من خسر العراق؟" قد بلغ أشده بين الأطراف السياسية المختلفة في الولايات المتحدة. وعلى غرار ما كان سائداً خلال حرب فيتنام يؤذن النقاش الجاري حالياً بالتحول إلى معركة ضارية وطويلة في الآن نفسه. ولاشك أن نتائج النقاش حول العراق ستكون ذات تأثير كبير على مستقبل السياسات الأميركية في بلاد الرافدين. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى ثلاث مجموعات أساسية تؤطر النقاش وتساهم في إبراز ملامحه العامة. فمن جانب هناك المؤيدون لبوش الذين وإن كان عددهم في تضاؤل مستمر، إلا أنهم يجمعون على رد مسؤولية الفشل في العراق إلى فقدان الإرادة القوية بسبب انتقادات وسائل الإعلام وانحياز الانهزاميين اللبراليين بعدما نجحوا في بث الشعور لدى الناس بأن الحرب في العراق غير قابلة لتحقيق النصر. ويسعى الموالون للرئيس بوش إلى إظهار المعارضين للحرب على أنهم خونة تخلوا عن الجنود الأميركيين في أرض المعركة. وليس مستبعداً أن يلجأوا إلى توظيف ذات التوصيف الذي استخدمه الرئيس الأسبق ريغان بشأن حرب فيتنام عندما أطلق عليها "القضية النبيلة". وفي محاولة منهم لتحديث فرضية "الطعن في الظهر" سيدعي موالو الرئيس بوش بأن انهيار الإرادة في الجبهة الداخلية هو المسؤول الأول عن انتزاع الهزيمة من نصر مُبين في بغداد تماماً كما انتزعت الهزيمة من نصر أكيد في "سايجون". لكن من جهة أخرى يبرز فريق ثانٍ يلقي المسؤولية كاملة على أعتاب الإدارة الأميركية، وهو الفريق الذي ما فتأت تتوسع دائرة المنخرطين فيه الذين يرجعون التخبط الأميركي الحالي في العراق إلى عجز إدارة بوش وعدم كفاءتها الواضحة. وفي ظل حرب تغيب فيها محاسبة المسؤولين ليس غريباً ارتفاع الأصوات المطالبة بمساءلة الأشخاص الذين أغرقوا الولايات المتحدة في المستنقع العراقي. ويبدو أن الأطراف التي تسعى إلى إبعاد الأنظار عن دورها في الحرب تحاول الإشارة بأصابع الاتهام إلى آخرين. لذا رأينا كيف يهاجم كبار المسؤولين العسكريين وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ملقين عليه مسؤولية الإخفاق، وكيف أن "الديمقراطيين" الذين صوتوا في الكونجرس على قرار الحرب، و"المحافظين الجدد" الذين نظَّروا لها ينتقدون رامسفيلد والرئيس بوش على ما يجري في العراق؛ وكأن لسان حال هؤلاء المنتقدين جميعاً يقول: لا توجهوا اللوم إلينا لأن غباء فريق بوش وعناده غير المسؤول، فضلاً عن عجز الإدارة الأميركية الداخلي هو من أدى إلى إفشال الجهود الأميركية في العراق. غير أن هناك فريقاً ثالثاً ينضم إلى الفريقين السابقين ليدلي بدلوه في النقاش الجاري حول العراق، ويتمثل في المؤمنين بنظرية المؤامرة. فحتى قبل غزو الولايات المتحدة للعراق عمد المنتقدون في أقصى المشهد السياسي الأميركي سواء في "اليسار"، أو "اليمين" إلى افتراض وجود جماعات متنفذة تعمل خلف الكواليس وتروج للحرب خدمة لمصالحها الخاصة. وهكذا تعرضت شركات النفط و شركة "هاليبرتون"، فضلاً عن المجمع العسكري الصناعي والكنائس البروتستانتية لانتقادات تتهمها بخدمة مصالح إسرائيل على حساب المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك تبقى جماعة "المحافظين الجدد" الأكثر تعرضاً للانتقاد بسبب الدور المحوري الذي لعبته في الترويج للحرب. ففي نظر المنتقدين تواطأ رموز "المحافظين الجدد" الذين تواجدوا في السلطة بداية التسعينيات مثل نائب وزير الدفاع السابق "بول وولفوفيتز"، أو هؤلاء الذين كانوا على هامش السلطة مثل الصحفي السياسي "ويليام كريستول" لتوظيف هجمات 11 سبتمبر بغرض الدفع بأجندتهم الخاصة، فانتهى بهم الأمر إلى الزج بالولايات المتحدة في مستنقع لا قرار له. وفي هذه المرحلة على الأميركيين أن يرحبوا بالنقاش المفتوح بكل ما يحمله من اتهامات متبادلة على الأقل لما يمنحه للجمهور من فرجة تستحق المتابعة. والأهم من ذلك يشكل تطهير النخبة السياسية في واشنطن فرصة ثمينة للتخلص من بعض السياسيين السيئين الذين ورطوا أميركا في حرب مجانية. ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"