تعيش البحرين هذه الأيام حراكاً على أكثر من صعيد، وتجد نماذج الحراك هذا في لافتات الشوارع التي تعلن عن أسماء وشعارات المرشحين، كما تجدها في اللافتات الرسمية التي تدعو إلى ممارسة الديمقراطية وحب الوطن. وعلى المستوى الشعبي تختلف الرؤى حول "جدية" الانتخابات المُقبلة، وعن أدوارها ومدى حفظ المرشحين لوعودهم. الصحافة في البحرين لها دور كبير في نقل ما يجيش في صدور المواطنين من أفكار حول هذه الانتخابات، بل أصبح موضوع الانتخابات مادة جيدة على أكثر من مستوى. وفي إشارة إلى ضعف مستوى اللغة في بعض الإعلانات نشرت جريدة "الوقت" البحرينية كاريكاتيراً يصور مرشحاً أمام لافتة تقول: "انتخبوا مرشحكم المُستغل". وتلك إشارة إلى النقمة حتى من الذين يعلنون استقلاليتهم (بالقاف) في الحراك السياسي الذي تشهده البحرين، كما أنها من جانب آخر تعني "استغلال" (بالغين)، الأصوات. ملحق جريدة "الوسط" نشر كاريكاتيراً لمرشح يركب قلماً ويقول: "وصَّلني البرلمان وبعدين بدفع لك"، وتلك إشارة إلى "استغلال" بعض المرشحين للصحافيين. وهذا موضوع مهم ومؤثر يساهم في حراك الاختلاف الذي عنيناهُ في العنوان، حين أعلن بعض الصحافيين أنهم تلقوا عروضاً من مرشحين ومبالغ كبيرة كي يقوموا بـ"تلميع" المرشحين، وصحافي آخر يقول قبلت مبالغ من مُترشّحة.. في حين اعتبر آخرون من الصحافيين أن ما يقوم به المرشحون الذين يدفعون للصحافيين أمر يتعارض مع قدسية المهنة، بل إن الصحافي الذي يتجاوب مع تلك العروض سوف يفقد اسمه ومصداقيته. ويقول كاتب أحد الأعمدة: "المترشح الذي يدفع الرشا السياسية نفسه، سيخُون الأمانة بالأسلوب نفسه إذا ما فاز في الانتخابات وجلس على كرسي في مجلس النواب، فهو نفسه قَبِلَ بدفع رشا وبالتالي فإن المبدأ ذاته سينطبق عليه معكوساً". وفي أحد المقاهي (بمدينة عيسى) أسرَّ لي أحد البحرينيين البسطاء بأنه تلقى عروضاً (نقوداً ومواد غذائية) من مرشح، و"كان قبل ذلك يمرّ ولا يُسلّم على الناس". وقال ذلك المواطن: "أنا لا أعترف بكل "الشو" Show الذي أشاهده، ولو قررت أن أرشّح سوف اختار ما يُمليه عليّ ضميري، ولكن المجلس الأول لم يعمل لنا أي شيء.. لذلك فقدنا الثقة في هذا الموضوع". وعلى اتصال بموضوع الرشا، فإن بعض المرشحين ربطوا ذلك تحت عنوان "التبرعات الرمضانية وهدايا العيد". وقال د. جاسم العجمي رئيس جمعية الشفافية في جريدة "الأيام" إنه سيبلغ اللجنة العليا: "بضرورة اتخاذ إجراءات عملية لمنع شراء الأصوات". وعلى طرف آخر، استنكر مرشح جمعية الأصالة الإسلامية (جمال الجنيد) محاولات تشويه سمعة المرشحين بادعائهم أنهم يلجأون لاستغلال الجمعيات والصناديق الخيرية التي ينتمون إليها لغايات انتخابية. وفي مشاهد أخرى للعمليات الانتخابية -تتجاوز أعراف الترشيح أو الترغيب في كسب الأصوات- استنكر البعض قيام شباب بزيارة المنازل والترويج للمرشحين في الدائرة الثامنة (العاصمة). أما المشهد الآخر فهو حرق وهدم لافتات لمُرشحة بحرينية على الشارع العام، ولجوؤها للقضاء. ومشهد آخر تجلى في استنكار أهالي (الحورة والقضيبية) تهديد أحد النواب في دعوته لإلزام الناخبين بدعم أحد المرشحين. وظهر عنوان ثانوي بجريدة "الأيام" يقول: "هدّد الناس قائلاً: إن لم تنتخبوا سعدي فلا تلومنّ إلا أنفسكم". ويتردد في الأروقة الشعبية أنه لا جدوى من الترشيح.. وذهب أحد المحققين إلى القول على لسان أحد المواطنين: "لن نسمح لأصحاب الوعود الكذابة أن يجرُّونا إلى صناديق الاقتراع ونصوّت لهم، وكذلك فهمنا (لعبة الدين) الذي يُجيَّر بحسب أهواء السياسيين، فالمشاركة كانت (افتضاضاً لضمير الأمة، ومن يشارك يتحمل خسارة الدين) وغيرها من العبارات، واليوم أصبحت في المقاطعة إشكالاً شرعياً، ولا يجوز التصويت لفلان دون فلان، لذلك نحن فهمنا اللعبة ولن تفيدنا وعود المترشحين ولا فتاوى المُجيّرين". وعلى جانب المعارضة يبدو أن هذه الأخيرة لم تتفق على برنامج واضح وموحد، بل إنها مواقف مرحلية لا تصل إلى سقف المشروع الوطني المأمول. وهذا ما أكده رئيس اللجنة المركزية لجمعية العمل الوطني الديمقراطي -الذي يخوض الانتخابات الحالية –بقوله: "إن علاقات القوى السياسية ليست متينة بالدرجة التي تجعلها قادرة على الاتفاق على برنامج مكتوب". وأشار إلى مواقف المنابر والقوى الأخرى بقوله: "إن التنافس الذي برز بين جمعيات العمل الإسلامي (الوفاق) و(وعد) على بعض المواقع، لم يُتح الفرصة للاتفاق على برنامج محدد، ولكن هناك خطوطاً عامة أعتقد أننا غير مختلفين عليها في التحالف الرباعي أو غيره". ويلاحظ -من خلال قراءة الصحف البحرينية- أن هنالك 171 مترشحاً بلدياً منهم 5 نساء يتنافسون على 40 مقعداً. (انتخابات عام 2002 كان عدد المترشحات للبلدي 34 امرأة) أما النيابيون فقد وصل عددهم إلى 217 بينهم 18 امرأة. كما يلاحظ تنوّع أطياف المرشحين بين الجمعيات والاتجاهات المختلفة، وهذا يشمل (أصحاب العمائم) من الجماعات (الإسلاموسياسية)! ونشرت الصحف اتجاهات لمديري حملات هؤلاء بشكل واضح، ونقرأ "تضادات" طاعنة في مؤهلات مرشحين مناوئين، و"رفضت (الوفاق) ما ورد (حول ضعف مؤهلات المرشح) مستندة -في دفعها لترشيح حسن سلطان- على مؤهلات كبيرة يتمتع بها وعلى رأسها دراسته الحوزوية الإسلامية.. وحراكه الاجتماعي والسياسي في الساحة الوطنية البحرينية منذ وقت طويل". وتمضي الصحيفة "إن ما يُميّز سلطان تمثيله وقربه وشعبيته التي تشمل جميع قرى الدائرة، حيث إن شعبية الشيخ حسن سلطان تمتد تاريخياً وجغرافياً في تلك الدائرة استناداً لتاريخه النضالي والسياسي والثقافي والاجتماعي المُمتد". وهذا الكلام يصب في دائرة الترويج التي تختلف عن قيم الصحافة التي يرفضها بعض الصحافيين المستقلين (بالقاف)! وبعدُ، تأتي تجربة البحرين الانتخابية بعد مرحلة الكويت المعروفة، التي صاحبها العديد من رؤى الاختلاف وشراء الأصوات، والتحالفات. وهي تجربة -(البحرين)- يجب أن تستفيد منها شعوب دول الخليج الأخرى المقبلة على انتخابات شورَوية وبرلمانية مُقبلة. إن دول الخليج -ضمن هذا الحراك السياسي- لاشك تحتاج إلى تأطير العملية الديمقراطية، والاستفادة من "الإشكاليات" التي لازمت المراحل والعمليات الانتخابية في الدول الأخرى. ولعل من نافلة القول التصريح بأننا بحاجة إلى ثقافة الديمقراطية قبل أن نمارسها أو نتعامل معها على أساس أنها "هبة" من الدولة، مثل جزء من "كعكة" البترول. ولابد لنا في هذه المرحلة من دراسة تلك "الإشكاليات" وإظهارها في الإعلام بغية تنوير المجتمع بأهمية المشاركة الشعبية، ورفع المقولات والشعارات التي تختزن في الذاكرة الشعبية والمجتمعية من أن المرشح يريد الفوز من أجل الراتب المجزي في المجلس، وأنه سوف ينسى وعوده لمُريديه حال فوزه. كما تشترط الديمقراطية التعامل الأخلاقي-واللاّعنفي- أو الإقصائي بين جميع أطياف المجتمع، كما تجب دراسة ظواهر التجنيس، وأحقية الترشح، وأساليب الممارسة قبل الترشيح، وتنوير المجتمع بها قبل الإعلان عن الانتخابات. ونتمنى أن يحقق شعب البحرين الشقيق ما يسعى إليه من طموحات تدعم رخاءه وسؤدده.