في كل عملية إصلاح توجد عوامل لها تأثير على تلك العملية، إما سلباً أو إيجاباً. من بين تلك العوامل عامل الوقت الذي تستغرقه عملية الإصلاح، وعامل آلية إجراء الإصلاح. لقد عرف الأقدمون عامل الوقت وأهميته، عندما ردّدوا القول إن الوقت كالغول إن لم تقتله أكلك... لذلك فالإصلاح الذي يمكن إنجازه في خمس سنوات قد يتشوه ويترهَّل إن استغرق إنجازه أضعاف ذلك الوقت. ومن هنا أهمية الرصد الصارم للسرعة التي تتم بها كل عمليات الإصلاح. وفي بلاد العرب يُستعمل موضوع الوقت بانتهازية ببراعة للالتفاف على ملفات الإصلاح. فعندما ترفع قوى المجتمع الأهلي مطالبها الإصلاحية، تواجه عادة بقبول السلطات المهيمنة لتلك المطالب، ولكن بشرط أن تتم ضمن جداول وقتية تضعها السلطات. وتبدأ المسيرة الإصلاحية حركتها ببطء السلحفاة، بل وتتقدم خطوة لتتراجع خطوتين، بحيث يأكل غول الوقت ويجرح سيف الزمن كل العناصر الأساسية الأصلية للإصلاح، وبحيث تدور عملية الإصلاح في حلقة مفرغة حول نفسها وحول شعارات لا تتحقق في الواقع وإنما تظلُ حبيسة الأحلام والآمال. في عام 1983 دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي مجموعة من مثقفي دول المجلس لتتقدم بتصوراتها حول قضايا الإصلاح الكبرى المطلوب تنفيذها من قبل المجلس ودوله، أي على المستويين الوطني والإقليمي. وقد قدمت تلك التصورات بشكل عميق وشامل. وظلت التصورات حبيسة الأدراج حتى وقت قريب. لقد قارنتُ تلك المطالب التي مر عليها عقدان من الزمن بأجندة إصلاح جذري وضعها "منتدى التنمية" الذي يضمُ مجموعة ممتازة من مثقّفي دول مجلس التعاون، فكانت المفاجأة أن كل عناصر أجندة الإصلاح الأخيرة مطابقة إلى أبعد الحدود للمطالب التي كتبت عام 1983، لكأن الزمن قد توقّف والتاريخ ظل حبيس ذلك الزمن. في القضايا المفصلية، ظل الحال في دول المجلس كما هو. فالعلاقة بين السلطة والمجتمع، لا تزال تراوح مكانها. وتأسيس شبكة أمان اجتماعي في حقول التشغيل والتعليم والعلاج، تراجعت وضعفت في عصر حمّى الخصخصة لكل الخدمات الاجتماعية التي كانت الدولة الريعية الخليجية تقدمها، بل وتفاخر بها. والخلل السكاني تفاقم هو أيضاً بسبب الطفرة النفطية التي أدت إلى زيادة استيراد العمالة الأجنبية غير العربية، الأمر الذي ينذر بأوخم العواقب في زمن الضغوط الدولية للمطالبة بحق الأجانب في الحصول على حقوق المواطنة بعد فترة عمل قصيرة. وإصلاح الخلل الإنتاجي لا يزال يراوح مكانه، إذ ظلت هذه الدول تعتمد بشكل كبير على عائدات البترول في بناء اقتصاد استهلاكي غير منتج وغير قادر على التحول إلى تنمية مستدامة بعد انتهاء حقبة البترول. أما إصلاح الخلل الأمني فتراجع بشكل كبير، إذ أصبحت معظم دول المجلس، بشكل مباشر أو غير مباشر، مرتبطة في أمنها بالقوى الأجنبية بعد ما تراجعت آليات الأمن المشترك وضعفت الرغبة في الاعتماد على النفس. أما مطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع الأهلي، فتحبو ببطء شديد وتقف أمام عقبات كبرى يعرفها الجميع. الذين يراهنون على الوقت يدركون جيداً كم يفعل بأحلام الإنسان وقدراته على الصمود، بل وبانتماءاته الاجتماعية التي كثيراً ما تتبدل من حال إلى حال. وفيما يتعلق بآلية التغيير، فقد أثبت التاريخ أن الإصلاح الداخلي الفوقي، لا يصمد أمام الزمن إلا إذا رافقته مشاركة حقيقية من قبل المجتمع كلّه. فالضغوط الخارجية تتلاشى بتبدّل المصالح، والنّوايا الحسنة الفوقية تموت مع أصحابها وتتراجع بتغير أمزجة ومشاعر مطلقيها، ما لم تواكبها مشاركة شعبية تحميها. آلية الإصلاح في دول مجلس التعاون، مرتبطة بمدى التقدم الذي يحصل بالنسبة للمطالب المفصلية السابقة، وعلى الأخص مطلبي تصحيح العلاقة بين السلطة والمجتمع والتقدم في إرساء الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية صلبة. عملية الإصلاح تتجمّد إذا اكتفينا بالتعامل معها كطقوس ولم ندخلها كتحدٍّ حقيقي. ومجتمعات الخليج بحاجة إلى أن تعطي اهتماماً كبيراً لعاملي الوقت والآليات، إن أرادت أن تحُول دون تحول عملية الإصلاح إلى طقوس لا تغيّر كثيراً في الواقع ولا تهتمّ بالزمن.