أعرب كل من الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عن انزعاجهما من استمرار تردي الأوضاع الأمنية في العراق بعد تفاقم حدة العنف إلى مستويات كبيرة. وفي هذا السياق دار الكثير من الجدل حول ما إذا كان من الأفضل للبيت الأبيض، أو السفير الأميركي لدى العراق زلماي خليلزاد، أو حتى نوري المالكي وضع "جدول زمني" لقياس التقدم المحرز في العراق. وبالنظر إلى ما يجري على الميدان تتضح العديد من الأمور، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة الصعبة بين نوري المالكي والرئيس بوش. فبعد الخسائر المرتفعة التي تكبدتها القوات الأميركية في الأرواح، وبعد محاولات الإدارة الأميركية إرساء إطار للديمقراطية في العراق يكون نموذجاً تحتدي به دول المنطقة، يريد الرئيس بوش من حكومة المالكي بذل جهد إضافي، ليس لتحقيق الأهداف السالفة التي باتت في حكم المستحيل، بل فقط لتحقيق حد أدنى من الاستقرار والأمن عبر حل الميليشيات المسلحة، وتهيئة الجيش والشرطة العراقيين لتولي مهامهما الأمنية. من جانبه استشاط المالكي غضباً، عندما ألمح إليه البعض على أنه مجرد "دمية أميركية"، مؤكدا أن العراق دولة ذات سيادة، ومحملاً الأميركيين مسؤولية العنف في العراق بسبب تأخرها في تزويد القوات العراقية بالأسلحة الضرورية وتسليمها الملف الأمني للقيادة العراقية. وهو الجدل الذي أدى في النهاية إلى تنظيم مكالمة عبر تقنية الدائرة المغلقة بين جورج بوش ونوري المالكي استمرت خمسين دقيقة خرج على إثرها الرجلان وهما يجددان التزامهما بتعزيز الشراكة بينهما وتسريع خطوات تدريب القوات العراقية ونقل مسؤولية الحفاظ على الأمن إلى أيدي الحكومة العراقية. وقد نقل عن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي قوله خلال محادثته مع الرئيس بوش "سيسجل التاريخ بأنه بفضل جهودك أصبح العراق بلداً حراً". لكن رغم كل ما حققته تلك الجهود من صياغة دستور جديد، وتنظيم انتخابات حرة، وتشكيل حكومة وبرلمان جديدين، فإن مسيرة التقدم تلك تعقيها أعمال العنف المتصاعدة التي ينظمها خصوم الديمقراطية في العراق. ويمكن النظر لانتخابات الكونجرس النصفية على أنها تصويت بمنح الثقة، أو سحبها من الإدارة الأميركية بسبب الطريقة التي أدارت بها الأمور في العراق بعد الغزو. فالعديد من الأميركيين، بمن فيهم الرئيس بوش نفسه، غير راضين على حالة ما بعد الحرب في العراق. فهي حالة تختلف عن التجارب السابقة في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، التي وإن كانت قد كلفت الولايات المتحدة خسائر فادحة، إلا أنها كانت دائماً تحظى بدعم الشعب الأميركي. فالحديث عن العراق يجرنا بوعي، أو من دون وعي إلى حرب فيتنام لتشابه التجربتين؛ فعلى غرار حرب فيتنام تواجه القوات الأميركية جماعات تنفذ عمليات ثم تنسحب بسرعة إلى داخل الأحياء السكنية، تماما كما كان يفعل الفيتناميون الذين يشنون هجمات خاطفة ليختفوا بين الأدغال. واللافت أن الانتخابات الأميركية التي كانت في السابق تركز على القضايا الاقتصادية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطن الأميركي لم تستقطب هذه المرة اهتمامهم مقارنة بالعراق. وقد يرجع ذلك إلى الأداء الجيد للاقتصاد الأميركي في هذه الفترة، إذ رغم انخفاض قيمة العقارات مازال الاقتصاد محافظاً على عافيته كما تشير إلى ذلك سوق الأسهم، والوظائف الجديدة في سوق العمل. ولا شك أن مزاج الناخب الأميركي سيؤثر على طبيعة القرارات التي ستتخذ بعد ظهور نتائج الانتخابات والتي ستتزامن مع نشر جيمس بيكر لتقريره حول الوضع العراقي. وهي أمور ستساهم في تشكيل القرار الأميركي تجاه ما يجري في العراق، حيث من المتوقع أن يتصاعد الضغط على حكومة المالكي لتحقيق تقدم ملموس يستطيع الكونجرس بتركيبته الجديدة تسويقه داخلياً.