بغض النظر عن الطريقة التي ينظر بها البعض إلى حكم الإعدام الذي صدر بحق الرئيس العراقي السابق صدام حسين يوم الأحد الماضي، فإنه من المهم القول بأن القضية التي شغلت العالم، انتهت عملياً، حتى وإن استأنف صدام الحكم. هناك من يعتقد أن حكم الإعدام هو استفزاز لمناصري صدام ونظامه وأنه حكم متحيز لفئة، لا قضائي. وهناك في المقابل من يعتقد بأن الحكم عادل ومنصف مقارنة بما ارتكبه صدام من المجازر ضد الإنسانية، وأنه رسالة واضحة إلى كل ديكتاتوري، وهم على حق. وهناك البعض، وهم كثر، يرون أن حكم الإعدام، حتى لو لم ينفذ، يخدم "المحافظين الجدد" في الإدارة الأميركية أكثر مما يخدم الشعب العراقي وشعوب الخليج بسبب الحالة الأمنية التي يعيشها العراق، متعللين بالقول إن الوضع العراقي في عهد صدام لم يكن كما هو عليه الآن، وهؤلاء أيضاً على حق، ولا أحد يمكن له أن ينكر ذلك. حتى أولئك الذين يعتقدون أن الحكم يعكس طبيعة النظام الدولي الجديد الذي يقوم على الهيمنة الأميركية، فهم على حق كذلك. ورغم الفوضى الأمنية التي يعيشها العراق والتي خلقتها عملية إسقاط نظام صدام، نتيجة لظهور قيادات لم تكن لتظهر في عهد صدام على الساحة السياسية، مثل مقتدى الصدر. ورغم استغلال بعض دول الجوار العراقي، الطامحة إلى نفوذ إقليمي، للفراغ السياسي، مثل إيران، إلا أن ذلك ليس مبرراً للدفاع عن حقبة صدام وسياسته الإجرامية ضد شعبه وتهديده لجواره الإقليمي أو القول بأن ذلك الأمر، كان مدعاة لعدم إسقاطه والسماح باستمراره في التنكيل باعتبار أن مخاطر وجوده على رأس السلطة أقل من إسقاطه. لا يجوز تحت أي غطاء تبرير تصرفات صدام واعتبار أن الحكم بإعدامه مبالغ فيه. ورغم حالة الإحباط التي أحس بها البعض عقب صدور الحكم وقولهم إن المحاكمة استهدفت، رمزاً عربياً وقومياً، فإن على هؤلاء أن يفهموا أن صدام لا يمثل إلا نفسه وهو زائل والباقي هو الشعب العراقي بكل فئاته وطوائفه، والذي كان صدام يعمل على تصفيته سواء بإشراكه في حروب خارجية أو قتله داخلياً. لم يعد مهماً نتيجة الحكم، بل المهم هو اتعاظ القيادات العراقية، السياسية والدينية والحزبية بالارتفاع إلى حجم المسؤولية التي تتطلبها المرحلة والبدء بإعادة صياغة أفكارها ومبادئها وليكون هدفها الأساسي بناء مستقبل العراق والتأكيد على قيام عراق يتسع لجميع شعبه بكل أطيافه، سنة وشيعة وأكراداً وعرباً، واعتبار حكم الإعدام خطوة نحو إسدال الستار على شخصية كانت سبباً في انقسامهم أكثر من توحدهم، سواءً عندما كان في السلطة أو بعد اعتقاله. فالحكم يمكن اعتباره، مناسبة للخروج من النفق الذي وضع صدام شعب العراق فيه، وكذلك العالم، فقد ظل لما يقارب 40 عاماً شغلهم الشاغل، حاكماً وسجينا، عن بناء العراق الذي يسمح فيه بالتعايش السلمي بينهم ويجعل منه دولة قوية تلعب دورها الإقليمي بشكل يليق بحجمها الاستراتيجي. لقد أدت فلسفته الرافضة للتعايش السلمي والمخالفة للمنطق والعقل، إلى كوارث عديدة لم يجن منها الشعب العراقي إلا المصائب. وبدلاً من ضياع الوقت واستنزاف الكثير منه، في الانشغال بالحكم الذي صدر ضد صدام، فإن الشعب العراقي بحاجة إلى كسب أكبر وقت ليجلس قادته الحاليون مع بعضهم بعضا لمناقشة مستقبل العراق بشكل أعمق. فما أهدره صدام من الوقت والمال والدماء، والخوف والقلق والرعب يكفي وبالتالي يكون من المهم أن تطوى مرحلته ويغلق ملفه كي يواجه جميع العراقيين مرحلة جديدة تتحدث عن العراق وشعبه. فمن المفيد للعراقيين، وغيرهم في المنطقة، عدم التركيز على مصير صدام بحيث يشغلهم الخلاف والانقسام عن وحدة العراق واستقراره وبالتالي يكون مهماً طي صفحة نظامه للأبد. قد يختلف الكثيرون مع رأيي، ولكن الحقيقة التي لا يمكن الاختلاف عليها هي أنه لا قيمة للاتفاق أو الاختلاف على الحكم الذي صدر بحق صدام الآن، وأن نسيان عهده والانتباه إلى مستقبل العراق الموحد وبنائه، هو الأهم.