الانتخابات البرلمانية المقبلة "قفزة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتطوير آليات عمله دعماً لمسيرة الاتحاد، وآلية لترسيخ الاستقرار الذي تنعم به الدولة"، هذا ما أكد عليه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في حواره الشامل في جريدة "الاتحاد" يوم أمس، وقد تنال سموه في حديثه قضايا كثيرة مهمة تخص الوطن والمواطن ونقاط كثيرة تستحق التعليق والتأكيد عليها وأخرى تستحق أن يفكر فيها كل مسؤول، سواء في الحكومة الاتحادية أو الإدارات المحلية... وقد نتناول بالتعليق العميق تلك النقاط في مقالات أخرى، ولكنني سأركز اليوم على موضوع الانتخابات التي هي حديث المدينة وهي الشغل الشاغل للمواطنين، سواء السعيدين بهذه التجربة أو أولئك المصدومين منها، لأنها جاءت بصورة أقل من مستوى توقعاتهم، سواء الشخصية أو العامة. ومن الأمور الجوهرية التي أكد عليها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد أن الأمل من هذه الانتخابات أن تفرز أعضاء يحملون هموم الوطن ويقوون من دور الدولة الاتحادية ويبتعدون عن المهاترات: ''نريد انتخابات تفرز أعضاء في مجلس وطني قوي، يناقش قضايا الوطن وهموم المواطنين بشفافية، وبعيداً عن المهاترات لتتويج مسيرة العمل والانتماء الوطني بمزيد من النجاح، وتجسيد وتوطيد قيم المشاركة ونهج الشورى بين أبناء الدولة''. والنقطة التي لا تقل أهمية عن هذه هي قوله: "نطمح أن تفرز هذه الانتخابات ممثلين ولاؤهم الأول والأخير للوطن''، فلا ولاء لأي أحد، سواء في الداخل أو الخارج، ولا صوت يعلو فوق صوت الوطنية ومصلحة الاتحاد، فلا يجب أن يكون للمصالح الشخصية ولا الولاءات القبيلة ولا الانتماءات الأيديولجية والحزبية... أي وجود على البرامج الانتخابية للمرشحين، فالمطلوب ولاء خالص لوطن أعطى الكثير وما يزال. من يتابع صحافتنا المحلية هذه الأيام يجد أن هناك صفحات جديدة ظهرت على صحفنا لم تكن موجودة من قبل، ويمكن أن نطلق عليها- صفحات البرامج الانتخابية؛ ففي كل يوم يظهر علينا شخص جديد يعلن ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية المقبلة، والملفت فيمن يبدأ في ترشيح نفسه أنه يعلن برنامجه الانتخابي ويكشف عما ينوي القيام به إذا ما فاز في الانتخابات ومن القراءة الأولى للبرامج الانتخابية نلاحظ أنها برامج تعمل على خدمة الوطن والقضايا الوطنية وخدمة المواطنين أيضاً، ولكن أغلب تلك البرامج عبارة عن مشاكل في المجتمع موجودة ويتداولها المواطنون كل يوم ولا يمكن أن نعتبرها برامج انتخابية حقيقية... هناك من وعد بأن يتبنى قضية التركيبة السكانية، ومن وعد بأن يعمل على القضاء على الحوادث المرورية، وآخر وعد بأنه يقدم بيتاً شعبياً لكل مواطن، وآخر رأى أن قضايا التعليم والفساد مهمة وتحتاج إلى طرح في المجلس الوطني، وآخر رأى أن يحل قضية أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب، وآخر سيطور الأداء الحكومي... أفكار كثيرة جميلة بعضها مكرر وبعضها مطور والقليل منها جديد ومميز، وهذا أمر طبيعي في التجربة الأولى للانتخابات ولن نتوقع أكثر من ذلك لأن كل هذا يهم بقدر ما يهمنا أداء المرشح الفائز في المجلس، تجاه القضايا التي تطرح وتناقش. برامج المرشحين "أحلام" يتمنون تحقيقها، بعضها واقعي ومشروع ويستحق الدعم والتشجيع، وبعضها خيالي، وبعضها من أجل دغدغة مشاعر المواطنين... وأفكار أخرى طرحت لا علاقة للمجلس الوطني بها ولا بأعضائه... وهذا يعني أن من المهم أن يقرأ أعضاء الهيئة الانتخابية اللوائح والنظم التي تنظم عمل المجلس الوطني، وقبل ذلك من المهم أكثر أن يستوعب كل عضو دستور دولة الإمارات الذي فيه ما يوضح دور المجلس الوطني الاتحادي وأعضائه وصلاحياتهم. الملفت أن أغلب المرشحين إلى اليوم يعتبرون من الشخصيات العادية، وواضح أن كبار المرشحين فضلوا عدم الإعلان عن أنفسهم أو برامجهم الانتخابية إلا بعد 19 نوفمبر، موعد قبول طلبات الترشيح. ويبدو أن المعركة الانتخابية ستكون حامية، خاصة أن ما يتداوله الناخبون يفيد بأن هناك مرشحين أقوياء جداً سيدخلون هذه الانتخابات ويبذلون حالياً جهوداً كبيرة كي يضمنوا الأصوات التي ستمنحهم الفوز والوصول للعمل تحت قبة البرلمان وهذا حق مشروع لهم والانتخابات دائماً تحتاج إلى تكتيكات قد لا تنجح إلا قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع بساعات قليلة... ولكن نؤكد دائماً على أهمية اتباع الأساليب والتكتيكات "المشروعة". من المهم أن يركز أعضاء المجلس والمرشحون في عملهم على ما يريده الوطن وما يحتاج إليه المواطن... ولا مفر من أن نؤكد مرة أخرى أن هذه الانتخابات الطليعية لها دور كبير في الانتخابات المقبلة، فأداء الأعضاء ابتداء من إعلان ترشيحهم ثم الحملة الدعائية التي سيقومون بها ومن ثم دورهم داخل المجلس بعد فوزهم بالمقاعد المحددة... كل ذلك سيدون ويسجل وسيعتبره الكثيرون نموذجاً سيحتذي به الأعضاء الذين سيرشحون أنفسهم في الانتخابات المقبلة. جميل هو جو الحماس الذي نراه بين المرشحين والناخبين هذه الأيام وستكون الصورة أجمل وسيكون البرلمان في حال أفضل لو استمر هذا الحماس إلى ما بعد فوز المرشحين في الانتخابات ووصولهم إلى المجلس الوطني الاتحادي... ومسؤولية التأكد من ذلك تقع على الناخب فعليه بعد منحه صوته لأي مرشح أن يتابع عمله وأداءه خلال أعمال المجلس ويتأكد من أنه يقوم بتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه وأنه عضو فعال في المجلس وليس "تكملة عدد" كما كان بعض الأعضاء في المجالس السابقة- مع احترامنا الشديد لهم- فقد كانوا ضيوف شرف يحضرون إلى الجلسات ويصمتون بكل ما أوتوا من قدرة ويكملون نصاب المجلس كي ينعقد وبعد ذلك يذهبون كما أتوا ثم يعودون كما ذهبوا لا لهم ولا عليهم! وهذا ما لا نتمنى أن يحدث في هذا المجلس المنتخب نصف انتخاب وأن يكون الأعضاء متحمسين للعمل كما هم متحمسون اليوم للفوز وتحقيق الإنجاز. نريد أعضاء يحملون قضايا الوطن وهموم المواطن ويحركون كثيراً من الأمور التي جمدت ويفتحون العديد من الملفات التي لم تفتح أو تلك التي فتحت وأغلقت دون حل... فهناك فرق كبير بين عضو يدخل إلى المجلس الوطني الاتحادي وهو يحمل قضايا الوطن وآخر لا يحمل إلا "بشته" ولا يهتم إلا بـ"كشخته" وصورته التي يريدها أن تظهر في الصحف في اليوم التالي، دون أن يقدم أي شيء! وهذا ما أكد عليه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد عندما أكد في حديثه "أن دخول المجلس تكليف وليس تشريفاً".