تشهد دولة الإمارات حالياً ثالث طفرة نفطية في ثلاثة عقود، لكنها تشهد في الوقت ذاته، ثورة اقتصادية هي الأكبر في تاريخها، ويأمل في أن تؤدي إلى ترسيخ دعائم الاستقرار الاقتصادي وحماية البلاد من تقلبات أسعار النفط، التي ظلت تتأرجح معها حالة الاقتصاد طيلة العقود الثلاثة الماضية خفضاً ورفعاً بالقدر نفسه. وعلى عكس الطفرات النفطية السابقة، فإن انعكاسات الطفرة النفطية الأخيرة على الأوضاع الداخلية، اختلفت عن سابقاتها شكلاً ومضموناً، حيث عمّت هذه الطفرة جميع قطاعات الاقتصاد والمجتمع، حتى استطاع الاقتصاد الإماراتي أن يحقق بذلك أفضل النتائج على مستوى المنطقة من حيث الكفاءة والنمو. هذه الصورة الناصعة تشوبها مخاطر وتحديات، تمثلت في الارتفاعات الكبيرة والمتتالية في إيجارات المساكن والمحلات التجارية خلال السنوات الأربع الماضية، في إطار موجة عامة من التضخم، تزيد على 6% وفقاً لجميع التقديرات الرسمية وغير الرسمية، وانخفاض ملحوظ في القوة الشرائية للمستهلك، وجميعها عوامل سلبية تمتصّ قدراً كبيراً من المكاسب التي حققها الاقتصاد الإماراتي خلال الفترة الماضية، وستكون لها انعكاسات سلبية بالقدر نفسه على الصعيد الاجتماعي، كما يمكن أن تضعف من جاذبية الدولة والتنافس معها كمركز للأعمال والاستثمارات الأجنبية والسياحية بالمنطقة، كما أن مقدرة الدولة على استقطاب الكفاءات والخبرات العالمية ستقلّ كثيراً في ظل استمرار تفاقم هذه العوامل. وفي سياق هذه الأوضاع المتأزمة باستمرار، يراهن الخبراء بقوة على القانون الذي أصدره، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، أول من أمس، والذي يقضي بإلزام ملاك العقارات بعدم زيادة القيمة الإيجارية بأكثر من 7% سنوياً إذا كانت مدة العقد الإيجاري ثلاث سنوات فأقلّ. فهذا القانون من شأنه أن يعيد جانباً كبيراً من التوازن الذي افتقده سوق الإيجارات في الإمارة، ويخفف كثيراً من حدّة التضخم، ويحدّ كذلك من الهجرة المعاكسة للمستثمرين إلى خارج الإمارة، كما سيؤثر إيجاباً في أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وهو قطاع له أهميته في دورة الاقتصاد بالإمارة. القانون إذاً هو خطوة حيوية كانت مطلوبة وبإلحاح لإصلاح اختلالات السوق، وتحقيق الاستقرار المنشود، والسيطرة على الفوضى الحاصلة في قطاع الإيجارات، وتجاوز الإشكاليات السكنية التي تجاوزت في مظاهرها وأعراضها آليات العرض والطلب، وانتقلت إلى مربع بات يؤثر بالفعل في الاستقرار الاجتماعي والأسري للمواطنين والمقيمين على حدّ سواء. إلا أن هذا التدخّل التشريعي المطلوب في أكثر من اتجاه، يجب أن تدعمه سياسات اقتصادية ومالية تعمل على التأثير في مؤشرات اقتصادية محدّدة، ومن خلال العديد من الوسائل والطرق، مثل رفع سقف الائتمان البنكي للتمويل العقاري، كما فعلت بعض الدول الخليجية مؤخراً، على ألا تُخلّ مثل هذه السياسات بقواعد الحرية الاقتصادية، ولكنها توقف أي مبالغات غير مبرّرة لرفع الإيجارات، وتعود بها إلى مستوياتها الطبيعية، إذ أن انخفاضا تدريجياً وباعتدال في الإيجارات هو أمر مطلوب ومفيد لمصلحة الاقتصاد القومي، في المقام الأول، خلال المرحلة المقبلة. فالقطاع العقاري هو قطاع بالغ الأهمية، كما أن الاعتماد الكبير للعديد من المصارف ورجال الأعمال على هذا القطاع يستدعي مراقبته باهتمام كبير، وهو قطاع متقدم في نموه وبمسافات شاسعة على باقي القطاعات، ما يحتّم ضرورة ضبط إيقاع هذا القطاع ليتّسق مع القطاعات الاقتصادية الأخرى. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.