منذ أن أطلقت إدارة جورج بوش صيحة "الشرق الأوسط الكبير"، ردت المصادر السياسية والفكرية الإيرانية بشعار "الشرق الأوسط الإسلامي". واليوم تصرح المصادر الإيرانية المتشددة بأن "الشرق الأوسط الإسلامى" يتقدم. علامات التقدم التي تؤكدها المصادر الإيرانية، تشمل ما تعده هذه المصادر انتصاراً لـ"حزب الله" في "المعركة المجيدة" التى خاضها دفاعاً عن لبنان وعن نفسه, وأيضاً الموقف الحرج لحكومة السنيورة و"قوى 14 آذار" التي تساندها أمام النقد العاصف الذي توجهه لها القوى الوطنية في لبنان. والهزيمة الفعلية للمشروع الأميركي في العراق، تحسب أيضاً ضمن علامات التقدم التي تبرزها المصادر الإيرانية. أما أهم هذه العلامات على الإطلاق، فهي الصعود المتواصل لقوى الإسلام السياسي في الغالبية الساحقة من البلاد العربية وتحقيق بعضها لمكاسب انتخابية مؤخراً. ويبدو أن فكرة "الشرق الأوسط الإسلامي"، طرحت للإفادة من حقيقة الكراهية الشعبية العميقة للسياسات الأميركية، وبالطبع الإسرائيلية، من جانب الشعوب العربية. وتبرز هذه الفكرة، لا فقط كنقيض وإنما أيضاً كبديل أكثر شعبية بكثير، للهيمنة الأميركية بعد تعرضها وتعرض شعارها الأساسي في المنطقة: أي "الشرق الأوسط الكبير" لنكسة مؤكدة وكبيرة. وقد انتهت مناظرات الملازمة لانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة للتسليم بعوامل الضعف والفشل المتأصلة في مغامرات بوش غير المحسوبة في الشرق الأوسط وفي العالم ككل، ومن ثم بتراجع أو "نهاية عصر الهيمنة الأميركية"، سواء على المستوى الكوكبي أو في الشرق الأوسط. وبالنسبة للإقليم فإن تهافت النظام العربي وفشل المشروع الأميركي، يقود إلى فراغ إقليمي يستهدف شعار "الشرق الأوسط الاسلامي" شغله. ولكن هل يعني ذلك بالضرورة أن "مشروع الشرق الأوسط الإسلامي" يتقدم فعلاً. إن مجرد تراجع الهيمنة الأميركية وتراجع قدرة إسرائيل على الردع تحسب معنوياً لصالح الشعوب العربية ولو جزئياً. ولكنها في الوقت نفسه لا تعني بالضرورة تقدم ما يسمى بمشروع "الشرق الأوسط الإسلامي". وبادىء ذي بدء فإنه لا يمكن تعريف ماذا يعني مشروع "الشرق الأوسط الإسلامي" بالضبط. فالفكرة تستدعي الإسلام في بنية الشعار, ولكنها لا تقدم ولا تشرح دلالة المصطلح. فعلى المستوى الجغرافي لا توجد صلة بين العالم الإسلامي الذي يشكل هلالا هائلا يمتد من حدود الصين حتى الشواطىء الغربية للمحيط الأطلسي ومقولة "الشرق الأوسط". وقد لا يمكن وضع تركيا في مثل هذا النظام رغم كونها دولة إسلامية إلا في ظروف جد مختلفة وعلى المدى الطويل. أما من الناحية المؤسسية, فالواضح أن فكرة "الشرق الأوسط الإسلامي" تختلف كثيراً عن الدعوة لإعادة نظام الخلافة الإسلامية كما تبلورت في التاريخ. والفكرة الأخيرة تشكل لب الدعوة التي أطلقتها بعض الحركات السياسية السنية الراديكالية, وخاصة "حزب التحرير الإسلامي", وهي أيضاً كامنة وإن بصورة أقرب للخيالات منها للأطروحة العملية في شعار بناء دولة إسلامية منذ ظهرت هذه الفكرة في الفضاء السياسي والثقافي العربي في خطاب حركة "الإخوان المسلمين", والتي تدرجت في بنائها التنظيمي من المستوى الوطني المصري إلى المستوى العربي ثم إلى المستوى العالمي. ويكاد يكون من المستحيل تقليد بنية الخلافة التي تشكلت في التاريخ كدولة أحادية من الناحية النظرية, ورغم التفكك الفعلي الذي أصابها دورياً وجعلها أقرب إلى البنية الكونفدرالية. ولم يقدم الإيرانيون أنفسهم تعريفاً محدداً لمصطلح "الشرق الأوسط الإسلامي", بل ولم يمنحونه أية سلطة اقتراحية جادة بأن لم يعرضوه على أية دولة، بما فيها دول الجوار المباشر بأي قدر من التفصيل الإجرائي. كل ما قدموه في هذا الإطار هو أطروحات للتعاون في ضمان أمن الخليج بين الدول الواقعة عليه أو أطروحات حوار وتفاهم حول الشؤون الإقليمية. وطالما أن مشروع الشرق الأوسط الكبير ليس هو شعار استعادة الخلافة الإسلامية، فقد يمكن القول بأنه ينطوي على دعوة لتأسيس نظام إقليمى جديد يكون الإسلام هو قاعدته الدينية والثقافية. ومعنى ذلك أن الفكرة أو الشعار يسلم مبدئيا بأن القاعدة التحتية الأساسية للنظام المفترض هو "الدولة الوطنية" ذات السيادة كما ورثناها من القرن الماضي. ومن ناحية أخرى فطالما أن الفكرة أو الأطروحة جديدة بالمقارنة مثلا بالمؤتمر الإسلامي، وهو تنظيم دولى هش يضم عشرات الدول المستقلة وذات الاستراتيجيات المتناقضة, فإنه يعني تأسيس هيكلية أو رابطة أقوى قد تتميز بالوظيفة السياسية والأمنية التي تضمن استقرار ورفاهية المنطقة المعروفة باسم الشرق الأوسط. وحيث أن الفكرة مطروحة في الوقت الذي لا زالت فيه الجامعة العربية حية من الناحية القانونية, فإن شعار الشرق الأوسط الإسلامي يعني في الحقيقة استبدال هذه الرابطة المؤسساتية ووراثتها من الناحية العملية على الأقل. وباختصار فإن شعار "الشرق الأوسط الإسلامي"، ليس له محتوى جغرافي محدد, وليست له أطر مؤسسية واضحة, كما أن وظيفته ليست محددة أيضاً, وهو ما يجعله شعاراً دعائياً وربما تحريضياً يمكن حشوه بأية معان أو دلالات كما يريد مَن يَطرحُه أو كما يخشاه الآخرون. ومن الطبيعي أن يخشى العرب أن يكون هدف الشعار هو تأطير حلف سياسي وربما عسكري بين القوى والدول الحليفة لإيران, وخاصة سوريا و"حزب الله" وربما حركة "حماس" أيضاً. وقد يشمل هذا الحلف في المستقبل العراق ككل أو ولاية أو دولة "شيعية" فى جنوبه. ولكن حتى هذا التفسير لا يبدو متوافقاً تماماً مع الواقع. فرغم أن سوريا حليفة بالفعل لإيران منذ عام 1980، فهى لا تسمي تعاونها الإستراتيجي والسياسي مع إيران حلفاً, كما أن إيران لم تعرض عليها رسمياً أو فعلياً الانضمام لمشروع ما باسم "الشرق الأوسط الإسلامي", ولم تقبل سوريا أبداً مثل هذه الأطروحة. ويصدق الأمر نفسه على حركة "حماس", هذا فضلاً عن أن انخلاع الجنوب العراقي في دولة مستقلة يعني تفكيك العراق وتواصل الحرب الأهلية فيه, وهو أمر مرفوض كلية من العرب والأتراك. وكيف يمكن أن يبدأ نظام ما بمباركة هذا التفكيك الذي يعلم الجميع أنه سيعني فوضى ممتدة في البلد نفسه وفي كل أنحاء الإقليم؟ ويخشى كثيرون أن يكون إطلاق شعار "الشرق الأوسط الإسلامي" مجرد تغطية على مشروع هيمنة إيراني ولو باسم المذهب الشيعي ككل. ولا ينكر كتاب إيرانيون وعرب متعددون أن المقصود في الحقيقة ليس بناء نظام إقليمى يضمن الاستقرار والسلامة الإقليمية لكل شعوب المنطقة، بل انتزاع الشيعة الإيرانيون والعرب للمبادرة التاريخية أو مهام "القيادة الإسلامية" من السنة العرب وبناء إطار كفاحي باسمهم على المستوى الإقليمي الواسع الذي تعيش فيه شعوب إسلامية. وفي هذه الحالة يكون هدف استخدام تعبير "الشرق الأوسط" التغطية على عملية بناء مجال جيوبوليتيكي حيوي يقوم على الهيمنة أو القيادة السياسية للدولة الإيرانية. ولا شك أن هذا التفسير مغموس كلية بالطائفية السياسية. ويكاد يكون هو الوجه الآخر لتصريحات تحدثت عن "الهلال الشيعي". وفي الحالتين وبغض النظر عن مصداقية الاتهام الموجه لإيران بمحاولة بناء امبراطورية أو مجال حيوي يضم الخليج والمشرق العربي, فإن النتيجة ستكون السقوط في الفخ الذي ينصبه لنا الأميركيون والإسرائيليون بنفخ النار في العلاقات المذهبية داخل عالم الإسلام, وهو ما يضمن لهم تلقائياً تعريب وأسلمة الصراعات والحروب الإقليمية لعقود قادمة بحيث يدمر العالم الإسلامي نفسه بنفسه، ما يجبره على استدعاء التدخلات الخارجية من جديد كما حدث عقب الغزو العراقي للكويت. ويعني ذلك أيضاً أن نعود من جديد، لا إلى نظام اقليمي ما ضعيفاً كان أو قويا، بل إلى شرور الفوضى وجنون القتل التي أطلقتها في الأصل الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988. لكن هل يعني ذلك رفض فكرة "نظام إقليمي إسلامي" بالضرورة؟ الإجابة طبعاً بالنفي. لكن المسألة تلزمنا ببحث أعمق في طبيعة هذا الكيان. Classifications Comments and Actions Present in Collection Proofed. Originally received in RAPIDBrowser on Tue 07 Nov 2006 14:59 GST This item was derived from: د. محمد السيد سعيد/الأربعاء/8/11/2006