إذا ما تغير ميزان القوى في واشنطن، إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة، فهل يتوقع أن تتغير تبعاً له، سياسات الرئيس بوش؟ فمنذ توليه المنصب الرئاسي في البيت الأبيض، عقب فوزه الانتخابي، وخسارته للأصوات الشعبية، بدأ بوش يمارس سلطاته وكأنه حقق فوزاً انتخابياً ساحقاً على منافسيه. ولذلك فقد بدا وكأن كل هذا التواتر من الأخبار السيئة، والخسائر التشريعية المتلاحقة، والانحسار المستمر في شعبيته، لم تفعل شيئاً سوى تعضيد شوكته وإرادته كرئيس. وفي المقابل، فإن في الأخبار الإيجابية، المتمثلة في انخفاض معدلات البطالة، وإدانة صدام حسين وغيرهما، ما يعزز ثقته في صحة سياساته، على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً. وليس هناك ما يبدو في مسار الحملة الانتخابية الجارية الآن، ما يشير إلى احتمال حدوث تغيير منحى السياسات الحالية. وكم يحلو للرئيس دائماً ترديد القول "إن رؤيتي لواضحة". وقد أكد نائبه ديك تشيني، تلك الفكرة في مقابلة صحفية أجرتها معه شبكة "إي.بي. إس" الإخبارية يوم الأحد الماضي، بتلميحه لهذا المسلك الرئاسي، في إجابة له عن سؤال وجه إليه، حول ما إذا كان متوقعاً لنتائج الانتخابات الجارية، أن تحدث تغييراً في سياسات البيت الأبيض إزاء العراق؟ رداً منه على السؤال، قال تشيني: ربما يطرأ تغيير ما في الكونجرس، غير أن سياسات البيت الأبيض، ستظل كما هي، وستمضي قدماً وبكامل وجهتها. ثم أضاف "تشيني" قائلاً: إننا لا نفعل ذلك كي نرشح أنفسنا للمناصب، وإنما نفعل ما نراه صحيحاً فحسب. وفي مجرى الأسابيع القليلة الماضية، كان واضحاً أن الرئيس بوش قد غرس أقدامه مجدداً في الدفاع عن حربه على العراق، بقوله إنه سيعيد النظر في التكتيكات المتبعة، ولكن دون أي مساس بالاستراتيجية. غير أن هناك ما ينذر باحتمال مواجهة الرئيس بوش لتغييرات في المشهد السياسي في واشنطن، حتى في حال استمرار هيمنة الحزب "الجمهوري" على مجلسي الكونجرس. بين ذلك ما صدر عن البيت الأبيض من مؤشرات على انفتاح الرئيس بوش، على تغييرات محتملة في السياسات. فعقب ست سنوات من التجاهل المستمر للديمقراطيين تقريباً، نتيجة لإصراره على صنع حزبه لكافة القرارات في قبة الكونجرس تقريباً، هناك من يرى الآن أن بوش قد بدأ يتخذ لنفسه مساراً، يقربه أكثر إلى جذوره السابقة، يوم أن كان حاكماً لولاية تكساس. وما تلك الجذور سوى عمله اعتماداً على الثنائية الحزبية، جنباً إلى جنب مع "الديمقراطيين". وفيما يبدو، فإن هناك ما يشير إلى اتجاه لوضع أجندة داخلية مشتركة، بما فيها مراجعة برامج الاستحقاقات، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية والعون الصحيين، وغيرهما مما فشل الرئيس في مراجعته. ذلك ما أكده مسؤولون من البيت الأبيض وبعض مؤيدي الإدارة. وبينما قام الرئيس بوش بتعيين "هنري إم. بولسون" وزيراً للخزانة لقيادة هذا الجهد، قال البيت الأبيض من ناحيته، إنه يعمل بهدوء من أجل الوصول بهذه المساعي إلى "الديمقراطيين" في الكونجرس. غير أن الذي لم يتضح بعد، مدى الثنائية الحزبية التي يمكن للإدارة العمل وفقاً لها، حتى في حال ثبوت جدية الرئيس في إجراء تحول نحو هذا الاتجاه. فالملاحظ أن شعبيته قد ظلت على تراجعها وهبوطها، مما يعزز مكانة "الديمقراطيين"، الذين لا يثقون به تحت كل الأحوال. ولما كانت انتخابات 2008 الرئاسية قد أضحت على الأبواب، فإن في رياحها ما يعقد الوضع والحسابات السياسية على كلا الجانبين، "الديمقراطي" و"الجمهوري" معاً. إلى ذلك يرى أعضاء "جمهوريون" و"ديمقراطيون"، أنه لن يكون في وسع الرئيس إنجاز شيء يذكر في الداخل، حتى تتسنى له السيطرة التامة على الأوضاع في العراق. غير أن "دان بارلي"، المستشار الرئاسي، قال إن بوش قد عقد العزم على عدم اقتصار جهوده واهتمامات إدارته على السياسات الخارجية وحدها، فيما تبقى له من عامين أو نحوهما من ولايته الحالية، متفادياً بذلك ما فعله الكثير من الرؤساء الذين سبقوه من قبل. ومضى "بارلي" إلى القول: إن ما يأمل فيه الرئيس في اعتقادي الشخصي، هو ألا تكون ولايته هذه، ولاية ينظر فيها إليه، على أنه مهدد لـ"الديمقراطيين" الذين يتطلعون إلى رؤية بعض الإنجازات وهي تتحقق على الأرض. هذا ويدخل الرئيس بوش المرحلة الخاتمة والأخيرة من ولايته، وهو مدرك لحقيقة أن مستقبله يعتمد كلياً على النتائج التي ستسفر عنها انتخابات اليوم الثلاثاء هذه، وأيضاً على العراق. ولكن المؤسف أن كليهما أصبحا خارج إرادته وسيطرته الآن. لذلك وبصرف النظر عمن يهيمن على الكونجرس في الفترة المقبلة، فإن الذي لاشك فيه بتاتاً، أنه يتحتم عليه السير فوق سطح سياسي خشن، فيما تبقى له من فترة رئاسته. والحقيقة أن الوضع الآن، يبدو مختلفاً جداً عما كان عليه قبل عامين ماضيين، حين كانت توقعات بوش جد متفائلة وكبيرة بفترة رئاسية ثانية، على إثر هزيمته لمنافسه "الديمقراطي" السيناتور جون كيري. ذلك أن رأس المال السياسي الذي تبقى للرئيس بوش لينفقه، قد تضاءل كثيراً، إن لم ينفد بعد. شيرلي جاي ستولبيرج وديفيد إي. سانجر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محررا قسم الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"