رغم أن سياسات الرئيس بوش ليست هي مدار انتخابات التجديد النصفي اليوم الثلاثاء، إلا أن الرجل يظل في صلب الانتخابات التشريعية وأحد أهم مواضيعها على الإطلاق. والمسألة هي فيما إذا كان سينجح الناخبون في انتزاع أحد الأجهزة القوية التي تعتمد عليها سلطة الرئيس حالياً وبالتالي التخفيف من حدة الضرر الذي ستلحقه سياساته بالولايات المتحدة خلال السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية. ولأن البعض مازال يحدوهم الأمل في أن يغير الرئيس بوش موقفه تجاه العراق، نشرت صحيفة "ميليتاري تايمز" افتتاحية لاذعة يوم الاثنين تدعو فيها بوش للتعجيل بإقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، مؤكدة أن دعوتها هذه بعيدة عن المزايدات السياسية "ولا علاقة لها بالانتخابات النصفية". والواقع أن كاتب الافتتاحية لاشك أنه يعرف مآل طلبه ذلك، ومتأكد تماماً من أن بوش لن يقيل أبداً رامسفيلد، ولن يغير شيئاً في استراتيجيته الفاشلة في العراق. فهو لن يقوم بالتغيير المطلوب ما لم يرغمه الكونجرس على ذلك. وفي هذه المرحلة علينا ألا ننتظر الكثير من بوش لأن تكوينه الشخصي لا يسمح بذلك. وبصراحة أكثر يعتبر بوش، الفظ والمفتقد للشعور بالأمان، أن الاعتراف بأخطائه مهما كانت تنتقص من زعامته؛ لذا فهو يعيش في عالم من الأحلام يتصور من خلاله أن جميع سياساته ناجحة وتسير في الاتجاه الصحيح، وبأن كافة موظفيه يقومون بعمل، ولا أروع. ففي الأسبوع الماضي فقط أعلن أنه "راضٍ تماماً عن التقدم المحرز في العراق". وبعبارة أخرى فإن بوش من ذلك النوع من الأشخاص الذي كان يتعين أصلاً عدم وضعه في موقع مسؤولية، فما بالك بمنحه جميع السلطات وجعله فوق الجميع دون إمكانية مساءلته ومراقبة أنشطته عبر السلطتين التشريعية والقضائية. لكنْ، مع الأسف، هذا بالضبط ما حدث عقب 11 سبتمبر، حيث تكدست سلطات كبيرة في يده وزادت وسائل الإعلام في تشجيعه وتضخيم شخصه. والنتيجة أن سياساته كانت كارثية على نحو كبير، وما الكابوس العراقي الماثل أمامنا سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. وهو جبل يخفي الكثير مثل تردي أداء الحكومة الفيدرالية بوكالاتها المختلفة بسبب تفشي المحسوبية في الأجهزة الحكومية. فلا توجد وكالة فيدرالية أعرفها تنتمي إلى الجهاز التنفيذي بدءاً من وكالة حماية البيئة إلى مركز مراقبة الأوبئة والوقاية منها، إلا وتعاني من جوانب قصور عديدة إلى درجة أنها باتت، دون مبالغة، تهدد مستقبل الولايات المتحدة. وعلينا أن نشعر بخجل شديد من أنفسنا ونحن نرى كيف تنصَّل بوش من وعوده السابقة لأهالي "نيوأورليانز" والساحل الشرقي الذين ضربهم إعصار "كاترينا" المدمر، وتعهد الرئيس بوش لهم بإعادة بناء وإعمار المنطقة المنكوبة وتعزيز الحواجز المائية للتصدي لأية كارثة مماثلة في المستقبل. ومع أن الشعب الأميركي الذي احتشد وراء الرئيس بوش ومنحه الدعم والمساندة بعد هجمات 11 سبتمبر فضل تجديد دعمه له قبل سنتين في انتخاباته الرئاسية الثانية ومنحه فرصة ثانية عله يصوب أخطاءه ويقوِّم المعوج من سياساته، إلا أنه بدلاً من ذلك أمعن في السياسات ذاتها وداس على آمال الناخبين وتطلعاتهم للخروج من المأزق العراقي. ورغم أن الفرصة قد فاتت لإخراج بوش من البيت الأبيض، إلا أن الناخبين اليوم أكثر إصراراً وعزماً اليوم على معاقبة حزب الرئيس بوش على إخفاقاته الشخصية، وعناده غير المبرر. يحدث ذلك رغم الجهود الكبيرة التي بذلها بوش للتشهير بخصومه والتي تجاوزت في شراستها أية حملة انتخابية أخرى، حين طعن في وطنية كل من يقف في طريقه، أو يعارض سياساته. ومع ذلك مازال في إمكان "الجمهوريين" الحفاظ على أغلبيتهم في مجلسي الكونجرس إذا ما استمروا في استغلال هفوات بعض "الديمقراطيين" مثل النكتة السمجة التي أطلقها "جون كيري" مؤخراً وتلقفتها وسائل الإعلام التي مازالت تصر على لعب دور الدمية في يد الأطراف السياسية المختلفة. وفي نفس الإطار جاء النطق بالحكم ضد صدام حسين والذي إذا كنتم تعتقدون أنه مجرد صدفة، فإنني أستطيع أيضاً أن أقنعكم بوجود مخطط إرهابي لاستهداف جسر بروكلين! والأكثر من ذلك يظل احتمال إلغاء التصويت، أو التلاعب في الانتخابات قائماً، فضلاً عن صعوبة سيطرة "الديمقراطيين" على مجلس الشيوخ بسبب تجديد الثلث فقط من مجموع مقاعده. لكن حتى لو فاز "الديمقراطيون" فعلاً فإن ذلك لا يضمن تغييراً في السياسات الحالية. فالدستور الأميركي وإن كان ينص بصراحة على تساوي صلاحيات الكونجرس والبيت الأبيض، إلا أنه من غير المرجح أن يحترم بوش وجماعته روح الدستور. فمازلنا نذكر كيف أن بوش أعلن أكثر من مرة قدرته على إلغاء أي قانون وقع عليه حتى والحزب "الجمهوري" يسيطر على الكونجرس سواء كان القانون يتعلق بتحريم التعذيب، أو يتعلق بتعيين أشخاص أكفاء في الوكالات الفيدرالية المختلفة، فما بالك إذا كان الكونجرس واقعاً تحت سيطرة "الديمقراطيين". وتصوروا كيف ستكون ردة فعل بوش إذا ما طلب الكونجرس ذو الأغلبية الديمقراطية شهادته بشأن التحقيق في حالات التربح من الحرب في العراق التي أصبحت على كل لسان في الآونة الأخيرة. الواقع أننا في غنى عن تصور ماذا سيحدث، ذلك أن أحد استراتيجيي البيت الأبيض صرح لصحيفة "نيويورك تايمز" بأنه إذا استدعى "الديمقراطيون" في الكونجرس الرئيس بوش فإن "معركة دموية ستنشب". وهي استعارة لغوية تنطبق تماماً على بوش بالنظر إلى تاريخه في ترك القوات الأميركية تواجه الموت في المعارك الدموية الحقيقية التي تخوضها في العراق بسبب سياساته الفاشلة. بول كروجمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"