بصرف النظر عما سيحدث في انتخابات التجديد النصفي التي ستُجرى اليوم، فإن بوش سيظل رئيساً للولايات المتحدة لغاية يناير 2009، مما يعني أنه لن يُحدث تغييراً في سياسة أميركا تجاه العراق، إلا إذا قرر هو ذلك، باعتبار أنه الشخص الذي يمتلك القرار في يده. من هنا، فإن المجادلات التي تدور بين السياسيين "الديمقراطيين" بشأن ما الذي يتعين عمله، هي في تقديري مجادلات ذات أهمية ثقافية فقط (إذا لم يكن في ذلك مبالغة)، مثلها في ذلك مثل معظم المجادلات التي ينخرط فيها معظم المنتقدين الأميركيين للحرب والذين يرتكزون على افتراضات غير واقعية. وبخلاف الخروج من العراق، استناداً إلى اعتقاد مفاده أن العراقيين أنفسهم يستطيعون -بل يجب– أن يحددوا مصائرهم بأيديهم، فإن المقترحات الرئيسية المطروحة في الوقت الراهن من قبل "ديمقراطيين" بارزين هي: - مغادرة العراق من خلال سحب القوات، وفقاً لجدول زمني مدته سنة واحدة. - اقتصار الدور الأميركي على تقديم الدعم لقوات الأمن العراقية. - تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات كردي وسُني وشيعي أو إلى كيانين اثنين فقط كردي في الشمال يتمتع باستقلال شبه ذاتي وكيان سُني شيعي، مع تحديد الترتيبات الخاصة باقتسام عوائد حقول النفط العراقية التي يقع معظمها في الأراضي التي تسكنها أغلبيات شيعية وكردية. أما إدارة بوش نفسها، فكانت قد ألمحت مؤخراً إلى أن الرئيس الأميركي ينوي ربط استمرار الوجود الأميركي في العراق بعلامات أو معايير لقياس مدى التقدم في تدريب قوات الأمن العراقية، بحيث تتولى تلك القوات تدريجياً مسؤولية الأمن بدلاً من الأميركيين. ولكن ما حدث هو أن الإدارة قامت بعد ذلك بسحب هذا المقترح وهو ما قد يرجع إلى حقيقة أن قوات الأمن العراقية لا تحقق تقدماً، وأن علامات أو معايير التقدم منخفضة. أما بالنسبة لموضوع التقسيم، فهو في النهاية موضوع ضخم ومُعقد، كما أنه يكاد يكون غير مقنع، خصوصاً عندما يتم وسط تمرد (حتى لو كان مرغوباً فيه وهو ليس كذلك في حالتنا). أما "لجنة بيكر" غير الحزبية، المكلفة من قبل الكونجرس بتقديم توصيات بشأن كيفية الخروج من العراق، فيُقال إنها قد أصبحت عاجزة عن تحقيق تقدم في عملها، بسبب الاختلافات بين هؤلاء الذين يدركون حتمية الانسحاب، وأولئك الذين لا يزالون يبحثون عن طريقة لإبقاء التواجد الأمني الأميركي في العراق. فمحور الاهتمام السياسي لإدارة بوش لا يزال هو "البقاء على الدرب ومواصلة المهمة"، لسنتين إضافيتين على الأقل، حتى تنتهي فترة حكمه، ويتم تحميل اللوم بعد ذلك لمن سيخلفه في الحكم. أما "الديمقراطيون"، فيريدون للحرب أن تنتهي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإذا لم يتيسر ذلك، فإنهم يفضلون انتخاب رئيس "جمهوري"، بحيث لا يلامون هم على الطريقة التي ستنتهي بها الأمور في نهاية المطاف.أما ما يحدث للشعب العراقي نفسه، أو ما يحدث للجنود الأميركيين الذين يخوضون القتال في ذلك البلد، فهو آخر أمر يرد على أذهان هؤلاء. تداعيات ذلك ستكون وخيمة بالنسبة لعلاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الأقربين، والتي تدهورت بالفعل. وهناك استفتاء أوروبي جديد تم إجراؤه مؤخراً بواسطة "جامعة سينا" و"كامبانيا دي سان باولو" يشير إلى وجود تفاوت كبير ومثير للتشاؤم بين المواقف الأوروبية الشعبية من قيادة أميركا للعالم، والمواقف التي تتبناها النخب الأوروبية في هذا الشأن. فالأوروبيون العاديون أقل موافقة بكثير على العلاقات الوثيقة مع واشنطن من أعضاء النخب الأوروبية، بما في ذلك أعضاء البرلمان الأوروبي، والمفوضية الأوروبية الذين لا يزالون ملتزمين التزاماً وثيقاً بالقيادة الأميركية (وهو ما يضع قيادة الاتحاد الأوروبي وقدرته على التعامل مع الأزمات الدولية موضع المساءلة والشك في الحقيقة). لا تزيد نسبة الأوروبيين العاديين، الذين يعتقدون أن القيادة الأميركية للشؤون الدولية هي أمر مرغوب فيه عن 39 في المئة من إجمالي الجمهور الأوروبي -حسب عينة المسح المشار إليه- في حين تبلغ نسبة الموافقين على القيادة الأميركية للشؤون العالمية 75 في المئة من أعضاء الاتحاد الأوروبي و73 في المئة من أعضاء البرلمان الأوروبي. و29 في المئة فقط من الجمهور الأوروبي هم الذين يريدون علاقات أوثق بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد الأوروبي، و19 في المئة منهم هم الذين يوافقون على قيادة جورج بوش. ويقول كاتبو التقرير المرفق بالمسح "إن مشاعر التمرد على القيادة الأميركية، وعدم الرغبة في السير وراءها قد نمت بشكل مطرد وسط الجمهور الأوروبي". وأشار هؤلاء المؤلفون في معرض التدليل على صحة ذلك إلى ما تبين من المسح المشار إليه من أن 59 في المئة من الجمهور الأوروبي هم الذين يعتقدون أن حلف "الناتو" ضروري لأمن أوروبا مقابل 85 في المئة من مسؤولي الاتحاد الأوروبي. والرأي الذي تتبناه الصحف الأميركية العادية، وخصوصاً في واشنطن، ومؤداه أن النخبة الأوروبية هي فقط المعادية لقيادة أميركا هو رأي خاطئ لأن الحقيقة هي أن الأوروبيين العاديين أكثر عداء لأميركا من النخبة بهامش كبير، وهو ما ينطبق بشكل خاص على سياسة بوش في العراق والحرب التي يخوضها ضد الإرهاب. إن الطبقات السياسية الأوروبية ستراقب انتخابات التجديد النصفي الأميركية بحثاً عن رسالة للتغيير قد تحملها تلك الانتخابات في طياتها. وهذه الطبقات تلقي باللائمة على الرئيس بوش في التدهور الخطير الذي حدث في العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، وكذلك في التوترات المتفاقمة بين المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية. وبصرف النظر عما ستتمخض عنه تلك الانتخابات، فإن الأرجح هو أن تكون نتائجها مخيبة للآمال لأن الحقيقة هي أنه لا "الجمهوريون" ولا "الديمقراطيون" لديهم برنامج واقعي للخروج من الأزمة العراقية. ويليام فاف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"