أعلم أن هذا المقال سيغضِب الكثيرين على أساس منطق الإصرار على الخطأ. فالشعوب العربية اعتادت اللامبالاة حتى انعدم لديها شعور الإحساس بالمسؤولية, وأصبح من السهل, بل ومن المرغوب فيه, إلقاء اللوم على الحكومات، سواء حكوماتها أو الحكومات الأخرى. وقبل فترة طرح أحد الكتاب الغربيين, من أهل النهى, سؤالاً حول الحق في البحث في مسؤولية الشعب الألماني عن جرائم النازية؟ هل من المنطقي اعتبار هتلر هو المسؤول كلية عن جرائم النازية التي ارتكبت بحق اليهود وغيرهم من الشعوب؟ ولماذا يجب تبرئة الشعب الألماني من ارتكاب هذه الجرائم؟ أليس هذا الشعب هو الذي انتخب هتلر للحكم؟ ألم ينخرط الألمان في الجيش؟ ألم يشاركوا في القتال؟ لماذا يجب أن تتم تبرئتهم من جرائم النازية؟ السؤال نفسه يجب أن يُطرح في عالمنا العربي. لماذا نلقي اللوم دائماً على الحكومات فيما يحصل من سوء وانحدار وفساد سياسي وأخلاقي وإداري في مجتمعاتنا؟ لماذا نصرُّ على التخلي عن مسؤولياتنا كشعوب ومثقفين؟ بالطبع هناك العديد من الإجابات الجاهزة لمثل هذه الأسئلة منها: 1- أن الحكومات العربية غير منتخبة. 2- ضعف مؤسسات المجتمع المدني. 3- ضعف الصحافة والتي تعد السلطة الرابعة كما يفترض, حيث تخضع هذه المؤسسات لحسابات الربح والخسارة التجارية, ومنطق السوق. 4- انتشار الأمية وضعف الوعي السياسي والاجتماعي. 5- استبداد الدولة الوطنية من خلال الأجهزة الأمنية. 6- ضعف قوة القانون وعدم الثقة بالعدالة. 7- انتشار القيم الدينية والاجتماعية التي تحث المواطن على الطاعة وعدم التمرد. 8- انعدام ثقافة التساؤل والتمرد الاجتماعي بشكل عام. ولاشك أن مثل هذه الأعذار منطقية, بل إن التجربة التاريخية للدول الوطنية العربية قد أثبتت ذلك, لكن هل يمكن أن تمثل هذه الأعذار مخرَجاً من مشكلة المسؤولية في العالم العربي؟ هل ما يحدث في العراق مسؤولية الشعب العراقي أم الوجود الأميركي؟ هل التدهور الأخلاقي المريع والمتمثل في انتشار الفساد السياسي والإداري ضمن المسؤولية الشعبية أم لا؟ لماذا يقبل أفراد الشعب مثلاً, بالواسطة سبيلاً سهلاً لإنجاز المعاملات الرسمية؟ لماذا لا نقرأ لكي نحوز ثقافة التمرد الاجتماعي؟ لماذا نخاف الأجهزة الأمنية ولا نواجهها؟ لماذا نقبل وبخضوع كل ما يصدر عن السلطة السياسية وكأننا لا نعي ولا نفهم ما هو في مصلحتنا؟ لماذا يصمت المثقفون في العالم العربي عن الظلم وتقييد الحريات؟ لاشك أن الشعوب العربية مسؤولة عن كل ما يحدث لها من فساد ونكبات سياسية واقتصادية واجتماعية. ألا ترى هذه الشعوب كيف تخرج لنصرة الفريق الوطني لكرة القدم، ولا تخرج لنصرة مثقف يوضع في السجن لأنه مارس حقه في حرية التعبير؟ لماذا تخرج من أجل رغيف خبز, ولا تخرج من أجل كرامتها؟ وفي ظل هذا الغياب الكبير للشعوب العربية, لا يملك الإنسان سوى طرح الأسئلة... والبحث عن الإجابات...