يجتمع المفاوضون حول المناخ في العاصمة الكينية نيروبي في مؤتمرهم الثاني عشر منذ 1992، والذي يحل وسط انقسام دول العالم إلى ثلاث كتل منفصلة تتبنى كل منها وجهة نظر مختلفة بشأن التعامل مع مسألة الإحماء الحراري. ويقول الخبراء والاقتصاديون والبيئيون ومسؤولو الأمم المتحدة إن التحدي الذي سيواجه المشاركين في مؤتمر هذا العام الذي سيبدأ اليوم الثلاثاء ويستمر حتى السابع عشر من نوفمبر سيكون أصعب كثيراً من التحديات التي واجهوها في المؤتمرات السابقة. ويعلق "جون كوكيويت" محلل سياسات الطاقة لمنظمة "جرين بيس" في مقابلة أجريت معه قبل توجهه للمشاركة في المؤتمر: "في الوقت الراهن تبدو الأنهار الجليدية في جرينلاند، التي غالباً ما تتحرك ببطء بالغ وكأنها أسرع حركة من المفاوضين بشأن التغير المناخي". ومن المتوقع أن تتركز المناقشات على بنود الاتفاقيات الدولية الداعية لتحقيق تخفيضات في الغازات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي يأتي على رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يعتبر في الوقت نفسه منتجاً فرعياً ينجم عن احتراق أنواع الوقود الأحفوري وأخشاب الغابات. يذكر أن الاتفاقية الأولى والتي تعرف باتفاقية الإطار الخاصة بالتغيير المناخي كان قد تم تبنيها عام 1992 غير أن الدول الموقعة عليها سرعان ما غضت الطرف عن تحقيق أهدافها. بعد ذلك تم تبني ملحق للمعاهدة في "كيوتو" باليابان عام 1997 (لم يدخل حيز التنفيذ إلا في نوفمبر عام 2005 ) عُرف باسم "بروتوكول كيوتو" الذي تنص بنوده على ضرورة التزام معظم الدول الصناعية بتخفيض الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما دون المستويات التي كانت سائدة عام 1990 على أن يتم إنجاز ذلك قبل عام 2012. وستستمر الولايات المتحدة وأستراليا اللتان قبلتا باتفاقية 1990 ولكن لم تقبلا بروتوكول "كيوتو"، في تشجيع البرامج التطوعية الرامية إلى تقليل الزيادة في نسبة الانبعاثات الغازية. وتقود أوروبا واليابان مجموعة من الدول الصناعية التي تعهدت بالوصول إلى الحدود الموضوعة، والتي ستحاول من خلال مؤتمر نيروبي وضع جدول زمني لتحقيق أهداف جديدة خاصة بمستويات الانبعاثات، وذلك خلال السنوات الخمس التي ستلي عام 2012. في الوقت نفسه، نجد أن الدول النامية التي تركز على التقدم الاقتصادي في المقام الأول رفضت التعهد بالحدود الملزمة الخاصة بنسب الانبعاثات الغازية واستمرت في الوقت ذاته، في طلب المساعدات من الدول الصناعية لتقليل الضرر الناتج عن الإحماء الحراري الذي تقول عنه إنه أمر لا مهرب منه. خلال ذلك كله كانت الانبعاثات المسببة للاحتباس تتزايد. "الأمر مقلق بالفعل"، كان هذا هو نص تعليق "إيفو دو بويه"، السكرتير التنفيذي للمنظمة التابعة للأمم المتحدة، المعنية بالإشراف على المعاهدة، وهي المعروفة باسم" أمانة التغير المناخي" في بون، عندما سئل عن الاتجاهات السائدة فيما يتعلق بنسبة انبعاثات الغازات من البيوت الزجاجية. إلى هذا جاء في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أمس الاثنين، أن نسبة الانبعاثات الغازية، قد ارتفعت خلال الفترة 2000- 2004 حتى في دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تقود الحملة الدبلوماسية الخاصة بتخفيض الانبعاثات. وقامت المنظمة بوضع الإحصائيات الخاصة بهذا الموضوع على موقعها على الإنترنت: ghg.unfccc.int. وتشير بعض القطاعات الصناعية وجماعات الضغط المعارضة للحدود الإلزامية أن نسبة الانبعاثات الغازية في الولايات المتحدة، لم تزد سوى بنسبة 1.3 في المئة خلال تلك الفترة، وهي نسبة تقل عن نسبة 2.4% التي ارتفعت بها تلك الانبعاثات في أوروبا. بيد أن البيئيين يقولون إن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة كان بطيئاً خلال تلك الفترة كما يقولون إن أوروبا، لم تبدأ بالالتزام بالحدود الملزمة للانبعاثات الغازية إلا في هذا العام فقط. بشكل عام يمكن القول إن الولايات المتحدة، قد حافظت على وضعيتها حتى الآن باعتبارها المصدر الأساسي لمثل تلك الانبعاثات الغازية، على الرغم من أن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن الصين تتقدم بشكل حثيث لاحتلال هذه المكانة خلال عقد أو عقدين من الآن. ويعلق "بجورن لومبورج" الإحصائي الدانمركي المتخصص في تحليل التغييرات البيئية العالمية أنه على الرغم من حقيقة أن الإحماء الحراري يمثل مشكلة عالمية، إلا أن تحديد الحد الأقصى لنسبة الانبعاثات الغازية حسب النمط المعمول به في اتفاقية "كيوتو" لن يحدث تأثيراً كبيراً كما أنه سيؤدي إلى تبديد الموارد المالية التي كان يمكن استخدامها بشكل أفضل في تخفيض نسبة الفقر في العالم. وإن هناك خياراً أفضل في هذا الشأن، وهو التشجيع على استخدام أنواع من الطاقة الصديقة للبيئة، مثل الطاقة الشمسية أو القيام بضخ الكربون في مخازن لإغلاق الطريق عليه حتى لا يتسرب وينتشر في الجو. وفي الوقت الذي اقترح فيه العديد من الخبراء فرض ضريبة على الانبعاثات الغازية، إلا أن "لومبورج"، يقول إنه يمكن استثمار بعض المبالغ الزهيدة على مشروعات الأبحاث والتطوير الخاصة بأنواع الطاقة الصديقة للبيئة، وإن ذلك سيكون له تأثير أفضل على التغير المناخي في المدى الطويل. وتقول "باولا دوبريانسكي" وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الديمقراطية والشؤون العالمية إن الخيار الأمثل لزيادة إمدادات الطاقة دون الإضرار بالمناخ، يتمثل في إقامة شراكة بين الدول الصناعية والدول النامية لنشر التقنيات المتقدمة اللازمة لذلك. واختتمت "دوبريانسكي" تعليقها بالقول: "هناك أنواع عديدة من الطرق التي لا تكلف شيئاً أو التي تكلف مبالغ زهيدة، والتي يمكن استخدامها لتحقيق نتائج جيدة في تقليل نسبة الانبعاثات الغازية في الجو". أندرو سي ريفكين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"