ذكرنا منذ الإعلان عن نظام الثانوية العامة الجديد في بداية العام الدراسي، أن النظام يحتاج إلى تمهيد وتهيئة مناسبين، ويحتاج إلى أخذ رأي الميدان بالاعتبار أيضاً، ولكن لأن النقد غالباً لا يجد من يستمع إليه، فقد ضاعت التحذيرات في الهواء، وتجاهلها المسؤولون والجهات المعنية، والآن ونحن نقترب من انتهاء النصف الأول من العام الدراسي، تعلن وزارة التربية والتعليم عن "استنفار" قواها الوظيفية والإشرافية لإنقاذ النظام الجديد من أخطاء فادحة تنتظره في نهاية الفصل الدراسي الأول. إعلان الوزارة عن استعدادات طارئة لتصحيح الأخطاء والملابسات التي تحيط بتطبيق النظام الجديد في مختلف المناطق التعليمية بالدولة، هو بحد ذاته اعتراف ضمني بأن هناك استعجالاً في التطبيق، ولعل اعتراف بعض مسؤولي وزارة التربية والتعليم بأن النظام افتقر إلى التهيئة اللازمة يؤكد صحة هذا الاستنتاج. الوزارة لم تكف منذ بداية العام الدراسي عن تصحيح الموقف وتسويق النظام الجديد من خلال التصريحات، ومحاولة بث الطمأنينة في النفوس، ولكن اقتراب مواعيد الامتحانات وضبابية الرؤى كشفت عن حالة عميقة من الخوف والهلع والتذمر لدى أولياء الأمور والطلاب والمدرسين والمدرسات. الواضح الآن أن هناك قناعة رسمية لدى الوزارة بصواب رأيها وصحة موقفها، وهناك في المقابل مواقف معاكسة ومعلنة تصدر من الميدان التعليمي، وبالطبع من أولياء الأمور والطلاب، وفي ظل حالة الشد والجذب غير المسبوقة هذه، تاهت كثير من الحقائق، وغابت الرؤى المنطقية والآراء المنهجية، فالكل يسعى إلى إثبات صواب رأيه، ويبرهن على ذلك بشتى السبل، وليس هناك جهة محايدة تتدخل من أجل فضّ هذا الاشتباك في الآراء والانتصار للمصلحة العامة، على اعتبار أن المسألة تحوّلت إلى قضية حساسة يصعب فيها التراجع أو تصويب المواقف، لاسيما من جانب وزارة التربية والتعليم. مشكلة الوزارة أنها حصرت أخطاء التعليم وضعف مخرجاته الجامعية في عام الثانوية العامة، أو بالأدق في اختبارات الصف الثاني عشر الدراسي فقط، مع أن هذا الضعف ليس سوى عملية تراكمية مملوءة بالأخطاء في المناهج وطرق التدريس والبيئة التعليمية وغير ذلك، وليست اختبارات الثانوية العامة سوى قمة جبل الجليد الذي يكشف عن أخطاء السنوات والمراحل التعليمية السابقة كافة، وبالتالي لا ينبغي أن تقتصر "حمّى التطوير" وخططه على هذه السنة فقط، بل تطال النظام التعليمي بأكمله بداية من المراحل العمرية الأولى كي يمكن الحديث عن تطوير جدّي للتعليم. الحديث عن تطوير شامل لا ينفي بالطبع حتمية تطوير امتحانات الثانوية العامة، ولكن كان ينبغي قبيل تطبيق النظام المطور تهيئة الميدان ومشاورته، والأخذ بآراء أهل التعليم وملاحظاتهم، والتأكد يقيناً من استيعاب الجميع لمفردات النظام وفلسفة التطبيق وآلياته كي نضمن نجاح التجربة وقطف الثمار، وأيضاً -وهذا هو الأهم- تفادي أي خوف أو قلق يعيد شبح النظام القديم إلى الذاكرة، بل ويدفع الكثيرين إلى تمنّي عودته وتذكر أيامه المشحونة بالرعب والتوتر. الآن والجميع بصدد حقيقة تطبيق النظام الجديد، لا مناص من الاستمرار وطيّ صفحة تبادل الاتهامات على الأقل، كي نبعد عن الطلاب شبح الخوف والقلق، وأن يتكاتف الجميع من أجل ضمان جدّية تطبيق معايير وقواعد التقييم المنصوص عليها في النظام الجديد من أجل تصويب الأخطاء والوصول بالنظام إلى تحقيق الأهداف التعليمية المرجوّة.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.