الملاحظ أن هناك حالة من السخط والغضب الرسمي والشعبي على الأوضاع المرورية الراهنة، وما تسببه الحوادث والأزمات المرورية من خسائر بشرية ومادية، دفعت البعض إلى التحذير من تأثيرات سلبية للازدحام المروري في النمو الاقتصادي والتنافسية الاقتصادية للدولة، حيث يقدر البعض خسائر قطاع الأعمال في الدولة جراء كل ساعة تأخير عن الدوام بنحو 6 مليارات دولار سنوياً، وذلك باحتساب متوسط راتب الفرد بنحو 1500 درهم، باعتبار أن هناك نحو 2.5 مليون موظف وعامل في الدولة. الإشكالية المرورية في الدولة ذات شقين أولهما، يتعلق بوجود قدر ملموس من الفوضى أو غياب الانضباط المروري، ما يتسبب في حوادث باتت تنذر بالخطر بسبب تزايد ضحاياها ومعدلات تكرارها، أما الشق الثاني، فيتعلق بالازدحام وهدر الوقت، وهذان الشقان يمتلكان علاقة ترابط عضوية بحيث يصعب الفصل بينهما في إجراءات المعالجة. فالفوضى والتهور المروري يفرزان الازدحام وهدر الوقت بسبب ما ينتج عنهما من حوادث تعرقل السير والعكس صحيح، أي أن الازدحام يؤدي أيضاً في كثير من الحالات إلى فوضى وحوادث، وهكذا بات هذا الملف محتاجاً إلى رؤية علاجية متكاملة تتعاطى وتتصدى لمظاهر الأزمة كافة. وفي حصر أسباب الواقع المروري المتدهور، وكيفية المعالجة تتعدد وجهات النظر، وتتفاوت الرؤى بين رجل الشارع العادي والخبراء والجهات الرسمية، ولكن الكل يتفق على ضرورة الحزم والصرامة في معالجة أي خرق للقانون والنظام المروري، وبالتالي فنحن بحاجة ماسة وعاجلة إلى تقييم شامل وخطط عمل تعمل على مُدد زمنية مختلفة، الأولى تتعامل مع المعطيات المرورية الراهنة، وكيفية معالجة الخروقات المرورية، ووقف نزيف الدماء في الشوارع، وأيضاً التخفيف من حدّة الازدحام المروري عبر البدائل العاجلة ولو بشكل مؤقت، وأيضاً التعامل مع مشاكل المواقف التي باتت ظاهرة تؤرق الجميع، وتتسبب في توتر السائقين والعصبية التي تقود أحياناً إلى الحوادث أو على أقل التقديرات تؤثر سلباً في الأداء والإنتاجية. وبموازاة ذلك ينبغي أن ندرس بدقة مستقبل التخطيط المروري سواء داخل مدن الدولة أو خارجها، بحيث تجري هذه الدراسة وفق تنسيق شامل وتام وجدّي بين مختلف الجهات المعنية بالملف المروري، وبحيث يتحوّل التخطيط المروري إلى محور رئيسي للتخطيط في بقية القطاعات، خصوصاً الإسكان، ومواقع تمركز الوزارات والمصالح الحكومية. ومن المهم أيضاً أن نستغل أجواء الاستنفار الشعبي والرسمي الحاصلة تجاه الواقع المروري الراهن، بحيث تتحوّل هذه الأجواء إلى ركيزة لإطلاق حملة شعبية- إعلامية مستمرة للانضباط المروري، تتجاوز في فاعليتها وتأثيراتها وأهدافها أسابيع المرور السنوية، لتتحوّل إلى وقفة مجتمعية شاملة مع الواقع المروري الذي قفز إلى مقدمة أسباب الوفيات بالدولة. والملاحظ أن هناك إدراكاً مجتمعياً يتنامى بشأن خطر التهور في القيادة، وهذا الإدراك يتغذى بالضرورة على الجدية التي أبدتها الدولة في التصدي للممارسات المرورية الطائشة، ومن الضروري أن تنتهز مؤسسات المجتمع كافة هذه الأجواء، وتعمل إلى تحويلها لحملة وعي مروري، تشمل كل بقعة من بقاع الدولة وتشارك فيها وسائل الإعلام والكتّاب والصحفيون وجمعيات النفع العام والمدارس والجامعات والوزارات والشركات، بحيث يتحوّل الأمر إلى ما يشبه الصدمة الكهربائية، لإفاقة الغافلين وتوعية السائقين بخطورة تدني الوضع المروري وصرامة الإجراءات المقبلة، مع مراعاة جهود التوعية لواقع تعددية لغات السائقين ومستوياتهم التعليمية، وبما يضمن وصول "الرسالة" إلى جميع السائقين المعنيين من مستخدمي الطرق في مختلف مدن الدولة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.