واقع الحال في فلسطين ومحيطها لا ينبئ بخير قريب في هذه الأرض التي بارك الله حولها، واختارها موطناً لمحطات فاصلة في مسيرة البشرية نحو الهداية والتسامي نحو حياة ربانية حقة. فمسلسل التهويد الذي ما انفك يهدد فلسطين والهوية الثقافية لشعبها منذ نصف قرن، يصل الآن نقطة تحول فارقة، بعد أن اكتملت له أو هكذا يبدو لأصحابه، شروط البقاء ودوام التوسع. وقد اضطرت قيادة الشعب الفلسطيني في مناخ عالمي مناهض، وضمن حالة عربية يصيبها التآكل منذ ربع قرن، إلى التخلي عن ثوابت القضية واحداً بعد الآخر. وجاءت "مدريد" لتنزل إلى مستوى "أوسلو" ثم إلى مستوى "العقبة" وبعدها "شرم الشيخ"، ثم "خريطة الطريق"... في حركة نزول متوالٍ أنهك الأساسات وقوض الدعائم، ثم لم يبقِ في الأخير إلا مُزقاً أقيمت فوقها "السلطة الوطنية الفلسطينية"، لتجد نفسها محاصرة وبلا خيارات، وسرعان ما تحول الحصار من حصار عسكري إسرائيلي مطبِق إلى حصار دولي يمعن في تجويع الشعب الفلسطيني ويعلن معاقبته على خياره الديمقراطي، رابطاً تمكينه من فرصة الحصول على رغيف الخبز، بالركوع دون أدنى كرامة (الأرض والحقوق الوطنية والخيار الديمقراطي). وبطبيعة الحال لا يمكن لـ"أوسلو" التي هي أصل الحالة الفلسطينية الراهنة أن تقدم مخرجاً من أزمة هي أساسها، أما العمق العربي فلم يعد عمقاً بقدر ما أصبح جزءاً من الحصار.. وأخيراً، فإن آخر ما يخطر على بال الفلسطيني هو "المجتمع الدولي"، ومؤسساته... فأين المفر إذن؟! لا ملجأ لفلسطين إلا الله وهمم أبنائها وأوجاع نسائها الحرائر! توفيق أبو لبيدة - غزة