قبل سنتين، ودعنا القائد المؤسِّس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي نذر حياته ووقته وجهده وإمكانياته المادية والمعنوية لتأسيس مشروع حضاري أشبه بالمعجزة، فقد كانت تجربة البناء التي قادها الشيخ زايد على هذه الأرض نبراساً وقدوة لدول عربية وإسلامية كثيرة. كان زايد قائداً فذاً قريباً من شعبه، يحس بنبضه ويحمل همَّه اليومي، ويسعى لتحقيق أحلامه الكبيرة والصغيرة، فبادله الشعب حباً بحب، دون تزلف أو اصطناع أو مجاملة. ولم يتعامل خالد الذكر "رحمه الله" مع شعبه باعتباره زعيماً تحول مسؤولياته وانشغالاته الكثيرة دون فرص الالتقاء اليومي معه، بل ظل بينهم قريباً من كل فرد، يحدثهم عن مشروعات التنمية، وعن مدى اتساع حلم البناء والغد المُشرق الآتي. وقبل رحيله عنا، ألقى حكيم العرب "رحمه الله" طوق النجاة الذي لو كان وجد من يمسك بعروته الوثقى في "بيت العرب" لكان حالُ أهلنا في العراق اليوم على غير ما نراه الآن من مآسٍ يومية. وقد كان أسى الأمتين العربية والإسلامية عند رحيل زايد مؤشراً صادقاً وحقيقياً على ما كان يمثله شيخنا "رحمه الله" من معاني الزعامة العادلة والقيادة الفذة والأخوة السمحاء في وجدان أبناء أمتينا العربية والإسلامية دون استثناء. وبعد أن حقق الشيخ زايد "رحمه الله" الوعد، استلم مشعل مسيرة البناء صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله ورعاه"، وخلال السنتين الماضيتين فحسب يمكننا رؤية زخم وحجم المنجز، بحمد الله. فعلى المستوى الوطني حمل أول خطاب يلقيه الشيخ خليفة بمناسبة العيد الوطني، إعلان سموه عن إطلاق مرحلة التمكين، التي تتضمن مشروعاً حضارياً استراتيجياً متكامل الخطوط والخطوات على الجانبين السياسي والاقتصادي. فعلى الجانب السياسي، أعلن سموه عن إطلاق تجربة مشاركة سياسية واعدة نرى الآن استحقاقاتها ماثلة أمام أعيننا من خلال انتخابات المجلس الوطني الاتحادي الوشيكة، التي هي أبلغ تعبير عن رغبة سموه "حفظه الله" في توسيع هامش المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ورغبته في الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من كل الكفاءات والقدرات الوطنية، ومن العنصر البشري المواطن، في رفد التجربة التنموية بجميع أسباب وشروط نجاحها. كما تشهد أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة اليوم في عهد الشيخ خليفة "حفظه الله ورعاه" قفزات نوعية بإطلاق المشاريع العملاقة في مجالات الصناعة، والخدمات، والتجارة، وفي بقية القطاعات، وأيضاً في تتالي إنجاز البنى التحتية وفق أرقى وأحدث المعايير العالمية، وبوتيرة متسارعة، كفيلة بأن تتجاوز أي خلل قطاعي في الاقتصاد الوطني، وقادرة كذلك على خلق منظومة اقتصادية متوازية ومتكاملة ولا تعتمد -لا كلياً ولا جزئياً- على اقتصادات الصناعات الاستخراجية التقليدية التي نرى الآن آثار الاعتماد الأحادي عليها بادية للعيان في اقتصادات دول عربية أخرى باتت آيلة للتدهور أو تدني الأداء على الأقل لو جاءت يوماً مرحلة ما بعد النفط. وفي مجال التنمية الثقافية والإنسانية تشهد الدولة بشكل يومي إطلاق المشروعات الضخمة وبالغة الأهمية في هذا المجال، كافتتاح أرقى الجامعات العالمية والمتاحف على أرض الدولة، وإطلاق العديد من الجوائز الثقافية بالغة القيمة المادية والأدبية، ما سيحول أبوظبي إلى علامة فارقة في سماء الفكر والأدب والحضارة على مستوى العالم. ولو تأملنا ما تحقق خلال العامين الماضيين فسنجد أن تعداده يحتاج إلى وقت كبير وجهد أكبر، وقد لا نشعر نحن به في تفاصيله ومفرداته بالقدر الكافي اليوم كون كل واحد منا جزءاً من هذا المشروع نفسه، وفي صلبه، ونحن هم غايته وهدفه في النهاية.