مناورات مقابل مناورات، وتحدٍ مقابل تحدٍ، ومواجهة حافة هاوية خطيرة تمتهنها إيران، وتدفع مع واشنطن المنطقة نحو القفز إلى المجهول، في مقامرة قد تنجم عنها مغامرة مكلفة بعد الانتخابات الأميركية، تقول عنها دراسة أوكسفورد، إنها قد تؤدي لمقتل 10 آلاف شخص. خلال الشهرين الماضين، دخلت منطقتنا عنق زجاجة حاداً، وبرز المزيد من التطورات والأحداث التي تدفع بالمزيد من الرياح في الأشرعة الإيرانية الكبيرة وتعطيها المزيد من الوقود، وهي ترى أميركا تغرق أكثر في المستنقع العراقي. وهي تنتشي بتحدي كوريا الشمالية، التي تنظر إيران إليها كمثال لدولة نووية على الرغم من معارضة واشنطن لها. كما تبدو إيران مرتاحة لتعثر الأجندة الأميركية وفشل جولة "رايس" الشهر الماضي في إقامة تحالف "المعتدلين" من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن للمشاركة في تحالف "راغبين"، يصطف مقابل تحالف المتشددين بقيادة إيران. فلم يتحقق ذلك وسمعت "رايس" من وزراء خارجية تلك الدول المعتدلة المزيد من الأسئلة والقليل من الإجابات، وسط اتهامات واشنطن لطهران ودمشق بالسعي لإسقاط حكومة السنيورة في لبنان. المناورات التي أجرتها أميركا مع 24 دولة أخرى الأسبوع الماضي في مياه الخليج، التي أطلق عليها اسم Leading edge والتي استضافتها البحرين، وصفتها إيران بالاستفزازية، وتثير الشكوك. وها هي إيران قد أجرت مناورات "الرسول الأعظم 2" في مياه الخليج وبحر العرب و14 محافظة إيرانية أخرى وتجرب صواريخ بحربة مثل "نور" و"كوثر" و"النصر" وصواريخ باليستية "شهاب 2" و"شهاب3" بمدى يصل إلى 2000 كلم مما يجعل جميع دول ومدن دول مجلس التعاون الخليجي والقواعد الأميركية وإسرائيل وجنوب أوروبا في متناول نظام الملالي في طهران، ويهدد مضيق هرمز الشريان الحيوي لـ20% من إمدادات النفط اليومية ويدفع بالمنطقة إلى حافة الهاوية والتصعيد. دون أن تكترث إيران لرأي دولنا الخليجية التي تراقب وتتابع بقلق يحبس الأنفاس هذا التصعيد وتلك المناورات واستعراض العضلات بقلق مبرر، وكأنه محرم علينا أن نشعر بالاستفزاز من مناورات إيران ورسائل تلك المناورات، التي هي الثالثة منذ الربيع الماضي. ويبدو أن إيران قد حسمت أمرها واتخذت قراراً استراتيجياً وستمضي بمساعيها للحصول على القدرات المطلوبة للتحول إلى دولة نووية غير عابئة بالاصطفاف الدولي ضدها والتداعيات على أمنها القومي وأمن منطقة الخليج، متخذة من التجربة الكورية الشمالية المزيد من الحوافز، وذلك لإبقاء النظام بعيداً عما يعرف بـ"تغيير النظام" Regime Change. القلق الخليجي من البرنامج النووي الإيراني مبرر، فيما نحن نبقى متفرجين متحسِّرين في لعبة عض الأصابع، وسط خط نار، لن نكون بمنأى عن تداعياته العسكرية إذا ما اندلعت الحرب، أو بأضعف الإيمان الخطر البيئي نتيجة -لا سمح الله - عطل فني في مفاعل "بوشهر" الأقرب إلى مدننا، فماذا نحن فاعلون؟ لم نفعل أكثر من المطالبة المكررة في قمة أبوظبي الأخيرة بجعل المنطقة بأسرها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها إسرائيل. مطالبات لا تلتفت لها إيران وبالتأكيد إسرائيل. ما هو المطلوب إذن: أولاً: أن نعبر لإيران عبر صوغ موقف واضح بعيداً عن العموميات، ونعبر بصوت جماعي عن القلق الذي يؤرقنا جميعاً، من خلال التطرق لمخاطر البرنامج النووي الإيراني، ومناقشة كل النقاط العالقة ومصادر القلق والتوتر ومناقشتها. ثانياً: أن نؤكد لأميركا وإيران موقف دول المجلس الداعي لإيجاد مخرج سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية، والتأكيد لأميركا ولإيران أن دول مجلس التعاون الخليجي -إذا انفلتت الأمور من عقالها بعد الانتخابات الأميركية نهاية العام الجاري- ستأخذ موقف الحياد، وتنأى بأنفسها عن أن تكون طرفاً في صراع، وأن تعبر عن ذلك بوضوح لأميركا وإيران معاً. يبدو جلياً اليوم أن هناك خيارين لا ثالث لهما مع إيران المستقوية بأوراقها: إما القبول بامتلاك إيران السلاح النووي، والذي بات مسألة وقت. أو المواجهة العسكرية المسلحة لتأخير البرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد امتلاك إيران القدرة على إنتاج الماء الثقيل، والذي يعني أن إيران لم تعد بحاجة للتخصيب لإنتاج البلوتونيوم في تجاوز للتخصيب. إنهما أمران أحلاهما مُر. يعنيان أن إيران قوة إقليمية مهمة تراهن على الوقت، وعلى الانقسام في مجلس الأمن بفعل روسيا والصين، وبعض الدول الأوروبية التي ترى أن باب المفاوضات لم يغلق بعد، وأن التهديد بالعقوبات أمر سابق لأوانه، مما يجعلنا جميعاً نقلق ونخشى من مصير المواجهة وسياسة حافة الهاوية. في فصول مواجهة مكلفة وخطرة لم يكتب فصلها الأخير بعد.